مطلوب رئيس بهذه المواصفات!

مع إنقضاء شهرين على حرب غزة بدأت الأمور تصبح أكثر وضوحًا، أقّله بالنسبة إلى أهل غزة، الذين تُحرق أيديهم بنار الصواريخ التي تنهمر عليهم كالمطر فيما أيدي الآخرين في المياه، التي يبدو أنها تمرّ من تحت أرجل كثيرين من دون أن يدروا ماذا يُخطّط ويُرسم للمنطقة من معالم جديدة لن تقتصر على غزة والضفة الغربية، التي تعيش اضطهادًا من نوع آخر، بل قد تشمل لبنان وسوريا وصولًا إلى العراق.
ومع تنامي الحديث عن تغيير قواعد “اللعبة” في جنوب لبنان، بالتوازي مع ما يحصل في غزة من دمار ممنهج وترحيل مخطّط له لأهله فإن الكلام الفرنسي، الذي يحمل في مضامينه إيحاءات تحذيرية للبنانيين مما هو آتٍ إن لم يتعاطوا مع هذه المتغيرات بمسؤولية ووعي، فيه الكثير من الوضوح. وما على اللبيب اللبناني سوى أن يفهم من الإشارة. وقد يكون المقصود من الكلام الفرنسي العالي السقف “حزب الله” بالتحديد أكثر من غيره، لأنه المعني الأول والأخير والوحيد عن تبريد الجبهة الجنوبية تمهيدًا لإعلان المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني منطقة عازلة ومنزوعة السلاح، أي سلاح “حزب الله” ليحلّ محله السلاح الشرعي، الذي يحقّ للجيش وحده امتلاكه دون غيره من القوى اللبنانية على كامل التراب اللبناني، وبالتحديد جنوب نهر الليطاني بمؤازرة فاعلة من قِبل قوات الطوارئ الدولية. وهكذا يكون لبنان ملتزمًا تنفيذ ما جاء في القرار 1701، الذي لم يطبّق كما يجب منذ صدوره حتى اليوم.

ولأن الشيء بالشيء يُذكر فإن التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون قد أصبح مرتبطًا حكمًا بما يُهيّأ له الجيش من مهمات مطلوبة منه على اتساع حدود الوطن، وبالأخصّ عندما يحين وقت الاستحقاقات الكبرى على المستوى الرئاسي، إذ بات مطلوبًا اليوم أن يكون على رأس الجمهورية رئيس بمواصفات ما بعد الحرب على غزة، بحيث يكون لبنان على طاولة المفاوضات من موقع قوة مع رئيس يحظى بشبه اجماع لبناني بعد أن تكون غبار المعارك العسكرية على جبهتي غزة والجنوب قد انجلت.
ما هو أكيد أن تحرّك الديبلوماسية الغربية لتنفيذ ما لم ينفذ في السابق من القرار 1701 يأتي بعد مشاورات أجريت بين واشنطن وباريس وطهران، ولم تكن بعض العواصم العربية الفاعلة بعيدة عن هذه الاتصالات. فالواقعية السياسية تفرض على هذه الديبلوماسية أن يكون هامش مفاوضاتها مع الجانب اللبناني غير المنعزل عن التأثيرات السياسية للتحالف المتين للثنائي الشيعي مغطّىً إقليميًا، بالتحديد إيرانيًا، وذلك نظرًا إلى ما لطهران من تأثير مباشر على ما يمكن أن يتخذه الثنائي الشيعي، وبالتحديد “حزب الله”، من مواقف قد يكون لها منحىً تغييري.
وعليه، فإن العمل جار على تقليص احتمالات التصعيد على الجبهة الجنوبية. وهذا ما يقوم به رسميًا كل من المبعوث الأميركي اموس هوكشتاين والموفد الفرنسي مدير المخابرات الفرنسية برنارد ايميه بهدف إيجاد تسوية للحدود البرية على غرار اتفاقية الحدود البحرية.
وحسب التقارير الواردة، وما توافر من معلومات، فإن الادارة الاميركية لا تزال على موقفها بتحييد لبنان عن حرب اقليمية طاحنة إذا ما تفاقم الوضع على نحو اشد خطورة في غزة، فيما كررت الخارجية الفرنسية دعم باريس “للجيش اللبناني، الضامن لوحدة البلاد واستقرارها”. كما ذكّرت بتمسك باريس “بسيادة لبنان والتنفيذ الكامل من قبل جميع الأطراف المعنية للقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”. وختمت أن “الأمر متروك لجميع الأطراف لممارسة أقصى قدر من ضبط النفس من أجل منع اندلاع حريق إقليمي لن يتعافى منه لبنان. وهذه الاشتباكات تتعلّق بأمن قوات الطوارئ، التي يجب بالتأكيد الحفاظ على قدرتها على العمل وأمنها”.
فهل ما يدور في الكواليس بالنسبة إلى إقامة منطقة عازلة في الجنوب قابل للتطبيق، خصوصًا أن الدول التي تسّوق لهذه الفكرة الإسرائيلية يعرفون أن “حزب الله” لن يوافق على هكذا طرح أقّله قبل أن ينجلي غبار حرب غزة.