تخطّت قضية قائد الجيش العماد جوزف عون كل الحدود وباتت قضية رأي عام “دولي – إقليمي – محلي” ، في سابقةٍ لم تحصل في تاريخ لبنان، أن يتحول موظف فئة أولى إلى رجل لا يمكن الإستغناء عنه بذريعة انهيار المؤسسة الأمنية وهي الجيش اللبناني، وكأن بقاء “العماد” في منصبه لستة أشهر إضافية يغيّر واقع لبنان المزري.
وحده رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل يخوض معركة الإطاحة بجوزف عون. هذا ما يعتقده البعض، لكن في الحقيقة لا يمكن لباسيل تحديد مصير قيادة الجيش دون دعمٍ غير مباشر من حليفه “حزب الله”، فمن، غير الأخير، يمون على الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي. حتى لو كان الحزب يعطي للرأي العام انطباعاً أنه لا يمانع التمديد لعون، إلاّ أن القاصي والداني يعلم حقيقة موقف الحزب من الجنرال الذي لم يشكل يوماً عامل ارتياح لدى حارة حريك.
ولأن باسيل هو رأس الحربة في معركة ضرب جوزف عون وحرمانه من “الحلم الرئاسي” الذي يرتبط مباشرة بموقعه كقائد للجيش، ينبغي التوقف عند الخسائر التي سيتكبّدها رئيس التيار في هذه المعركة، إذ سيخرج منها مصاباً على عدة مستويات سواء تمّ التمديد أم لم يتمّ، وهي خسائر موجعة يدفع ثمنها حصراً “التيار” الذي تربّع يوماً على عرش الأحزاب المسيحية قبل أن يتسلمه باسيل، حتى بات من الضروري إنقاذ التيار من أطماع رئيسه التي لا حدود لها.
أولاً، بات من الصعب ترميم العلاقة بين باسيل والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، الذي بات متأكداً أن باسيل لا ينفذ سوى أجندة جبران باسيل، وهذا ما يرتّب على باسيل أزمة كبيرة تتشكل بفقدانه غطاء بكركي الذي يعد أمراً أساسياً للأحزاب المسيحية.
ثانياً، إن معركة باسيل مع قائد الجيش سيدفع ثمنها التيار “شعبياً”، فالمسيحيون مرتبطون ارتباطاً وثيقاً بالمؤسسة العسكرية ويعتبرونها المؤسسة الوطنية التي تحمي وجودهم، وهذا ما سينعكس سلباً على نظرتهم للتيار الذي يحارب قيادة الجيش لأسباب شخصية بحت. والجميع يعلم وضعية التيار الشعبية التي تتراجع يوماً بعد يوماً بشكل يمكن ملاحظته في انتخابات الجامعات والنقابات.
ثالثاً، قطع باسيل الطريق أمام أي “تقاطع” أو “تفاهم” للتيار مع قوى المعارضة خصوصاً بعدما تهجّم عليها بخطابه يوم أمس ووجه له الإتهامات بالتبعية للخارج، ليعود بذلك إلى طبيعته “العدوانية” ضد أي معادلة لا تخدم مصالحه الخاصة ولينسف بنفسه الصورة التي حاول رسمها قبل أسابيع عندما جال على القيادات السياسية مدعياً أنه رجل حوار وسلام.
وبالعودة إلى ملف قيادة الجيش، فإن حصول التمديد عبر الحكومة يحقق مجموعة أهداف، أولها قطع الطريق على الإستثمار الرئاسي للتصويت على التمديد بعدد كبير من الأصوات في مجلس النواب كما كانت تخطط له بعض الأطراف الداخلية والخارجية، وثانيها إرضاء البطريرك الراعي والرأي العام المسيحي بإنجاز التمديد ولو بصيغة “تأجيل التسريح”، وثالثها إعطاء باسيل إمكانية تحديد الضرر في معركته الخاسرة من خلال جائزة ترضية “تأجيل التسريح” بدلاً من “تمديد قانوني” بأكثرية ساحقة في مجلس النواب مع كل التداعيات السياسية التي كان يمكن أن تستبع ذلك.