سجّل الرئيس نبيه بري إنتصاراً كبيراً لنفسه بفتح أبواب مجلس النواب للتشريع، ولا شيء غير التشريع. وبمعزلٍ عمّن ساعد بري في تحقيق هدفه بإعادة تفعيل المؤسسة التي يرأسها، ترسم الجلسة التشريعية المنعقدة أمس واليوم وربما غداً، معادلةً سياسية جديدة في البلاد عنوانها دخول حزب “القوات اللبنانية” المعترك السياسي جدياً.
منذ الإنتخابات النيابية، ورغم خروجها كالقوة المسيحية الأكبر، و”القوات اللبنانية” تنأى بنفسها عن الدخول في الحياة السياسية بالمعنى الفعلي للكلمة. وتُعتبر مشاركة “القوات” في الجلسة التشريعية، ولو بهدف التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون، وإعلان رئيسها سمير جعجع، مشاركة تكتل “الجمهورية القوية” بجلسات مناقشة وإقرار الموازنة، أن “القوات” بدأت التعاطي بموضوعية وواقعية أكثر خلال المرحلة المقبلة.
ولولا ضغط “القوات” وحضورها الجلسة التشريعية، لكان ما زال التمديد في مجلس الوزراء، أسير الإبتزاز السياسي الذي يتقن رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، ممارسته على “حزب الله”، وقد نجح الى حدّ كبير في تعطيل تأجيل التسريح في الحكومة عندما أبلغ الحزب الرئيس نجيب ميقاتي منذ أسبوع رفضه حضور الجلسة وتأمين النصاب والتغطية لها.
لكن قرار “القوات” بالمشاركة في جلسة مجلس النواب مهما كان جدول أعمالها، كان بمثابة مفاجأة لباسيل ورافضي التمديد، وشكّل النقطة المفصلية التي أعادت تحريك التواصل بين الحزب وباسيل، حيث عاد الأخير واقتنع أن تأجيل التسريح في الحكومة يبقى “نصف مصيبة” مقارنةً بالمصيبة الكاملة فيما لو حصل هذا التمديد من خلال تصويتٍ كبير داخل مجلس النواب.
وبمعزل عن مجريات الجلسة النيابية في يومها الثاني والثالث، ومصير اقتراح قانون التمديد فيما لو حصلت مناقشة حوله، فإن إقرار تأجيل التسريح في مجلس الوزراء يشكّل نجاحاً سياسياً ل”القوات اللبنانية”، حتى لو كلّفها ثمن المشاركة في التشريع. وهو سيشكّل مناسبة لإعادة وصل ما انقطع في العلاقة مع الرئيس بري منذ أن أبعدهم الإستحقاق الرئاسي عن بعضهم البعض.
أما في ما يخصّ باسيل، فبالإضافة لخسارته معركة منع التمديد لقائد الجيش، قد أظهر تكتل “لبنان القوي”، في مظهرٍ هامشي عبر تحويله الى متفرّج على مسار التمديد في المجلس والحكومة، وما التغريدات المتوتّرة لبعض نواب مقرّبين من باسيل ضدّ الجلسة التشريعية، إلاّ دليل على درجة الإحباط الذي أصابهم جراء نجاح عقدها، وما المحاولة اليائسة في الربع الساعة الأخير التي قام بها باسيل عبر رسالة موجّهة من وزير الدفاع موريس سليم الى رئيس الحكومة، نصّها كبير مستشاري العهد السابق، إلا الدليل الآخر على عجزه في إيقاف الجلسة الحكومية.
بعد عدة أشهرٍ من التجاذبات، يطوي المشهد السياسي صفحة التمديد لقائد الجيش بعد أن ينفض كل فريقٍ غبار المعركة عنه، لكن التجاذب الرئاسي عائد بقوة بعدما أعاد هذا التمديد الحياة الى المربع الأول، أي ثنائية سليمان فرنجية – جوزف عون التي تبيّن في نهاية المطاف أنها الأكثر جدّية.
المصدر: يبانون ديبايت – محمد المدني