صحيحٌ أنَّ “الحزب” لم يُؤيد التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون بشكلٍ علني خلال جلسة مجلس النواب يوم الجمعة الماضي، لكنه في الوقت نفسه فضّل هذا الخيار ضُمنياً والدليل على ذلك عدم إثارة أي حديثٍ سلبيّ ضده.
في الواقع، ليس من مصلحة الحزب المُضي في معركة ضدّ الجيش، فالأمرُ هذا ينتاقضُ تماماً مع مصلحته، كما أنه يساهم في ضربِ المعادلة الثلاثية التي يتمسّك بها وهي:الجيش، الشعب والمقاومة. لهذا السبب، لن يكون الحزبُ أبداً ضد المؤسسة العسكرية، لكنه في الوقت ذاته سيُراعي هواجس حليفه المسيحي المتمثل بـ”التيار الوطني الحر” الذي كان رافضاً مبدأ التمديد للقادة الأمنيين، وهو أمرٌ اعتبرهُ رئيس “التيار” جبران باسيل، أمس السبت، بمثابة “إستمرار للمؤامرة”.
ما الذي يجمع “حزب الله” وقائد الجيش؟
أحداث الجنوب
اليوم، ما يجمع “حزب الله” بعون كبيرٌ جداً ولا يرتبطُ فقط بتنسيق حزب سياسيّ مع مؤسسة عسكرية، فالمسألة تتجاوزُ هذا الأمر وتتصلُ بأبعادٍ أكبر. هنا، يتمحور الحديث عن أحداث الجنوب المستمرة حتى الآن، والتي تلقى الجيش خلالها ضربات عديدة من العدو الإسرائيلي. أقلّ ما يمكن قوله هنا هو أنّ “وحدة الحال” بين الحزب والجيش تحققت في أن الطرفين يخوضان مواجهة ضدّ عدو واحد، وهذا الأمر مهم جداً من الناحية الإستراتيجية للعلاقة بين الطرفين.
بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر الجيش العنصر الأساس الذي يلجأ إليه الحزب على صعيد أيّ تنسيقٍ أمني بشأن أحداث الجنوب، وهذا الأمرُ ملموسٌ على أرض الواقع ميدانياً. طبعاً، الأمرُ هذا لا يعني أن أي طرفٍ يخضع للآخر، لكن مبدأ “التكامل” يمكن أن يكون متحققاً بدرجة عالية وسط الأحداث القائمة.
تنسيقٌ مستمر
لا يُمكن لـ”حزب الله” أن يقطع علاقته أبداً مع قائد الجيش والمؤسسة العسكرية، وتقولُ المعلومات إنه في ظل أحداث الجنوب المستمرة منذ شهرين، حصلت إتصالاتٌ مباشرة وغير مباشرة بين الحزب وقيادة الجيش لتنسيق الأوضاع والتحركات. الأمرُ هذا، بحسب المصادر، بديهيّ وطبيعي وليس جديداً، وتقول أيضاً إن المعركة القائمة تقتضي ذلك.
مع هذا، فإنَّ آليات التعاون بين الجيش والحزب مهمة جداً حينما يتصلُ الأمر بعمل قوات “اليونيفيل” في الجنوب. فالجيش هو قناة الإتصال الأساسية بين الحزب و”اليونيفيل” إن اضطر الأمر لذلك، في حين أن المؤسسة العسكرية تُشكل الضمانة الأساسية بالنسبة للحزب لتحصين الجنوب من أي تجاوزاتٍ قد تنجمُ عن عمل القوات الدولية، والتي يحرص الحزب على التعاون معها، ولكن من دون التسليم بكافة شروطها.
تمكين السلم الأهلي
المؤسسة الأكثر تماسكاً اليوم هي الجيش، وهذا الأمرُ يمثل ضمانة للسلم الأهلي. حتماً، من مصلحة “حزب الله” ألا تحصل أي اهتزازات أمنية تؤدي إلى توتير السلم الأهلي الذي تُساهم المؤسسة العسكرية في حمايتهِ. آخر دليل على ذلك كان في حادثة الكحالة، حينما سقطت شاحنة محملة بالسلاح لصالح “حزب الله” في المنطقة إثر حادثٍ مروريّ. في تلك الحادثة، تحرّك الجيش بطريقةٍ طوّقت الأمر بشكلٍ سريع، وتم التعاطي مع الموضوع بحكمة وسط إحتقانٍ شديد. ما حصل، كان مُرحباً به من قبل “حزب الله”، وعليه فإنّ تضرر الجيش سيعني إنكسار أبرز عُنصرٍ يمكنه إبعاد شبح الإقتتال أو التوترات في الداخل.
عنصرٌ أساسي في أي تسوية
خلال اليومين الماضيين، برز حديث عن “توبيخ” أميركي
لإسرائيل إثر استهدافها للجيش في جنوب لبنان. الكلامُ هذا تم إرفاقه بتأكيد على أنه لا يجب قصف أي مركز للمؤسسة العسكرية، باعتبار أنها ستكون جزءاً من أي حل دبلوماسي نهائي بين إسرائيل ولبنان لتهدئة العنف الحالي.
فعلياً، الكلام الذي يُقال في هذا الإطار يؤيده “حزب الله” ولا يرفضه، أي أن الأخير سيكون مُصراً على أن يكون الجيش جزءاً من التسوية المُرتقبة، لأنه سيكون العنصر الأساس الضامن لعدم تمادي أي طرف في حال ذهبت الأمور باتجاه مفاوضات تُنهي وضعية الإقتتال في الجنوب.
وعليه، يمكن أن يكون موقف الجيش هو الممثل الأساس لموقف الحزب في أي تسوية، وبالتالي فإنّ تحصينه هو أمرٌ مهم، سواء عبر عدم مهاجمة التمديد لعون وأيضاً عبر عدم السماح بحصول شغور فعليّ ضمن المؤسسة العسكرية.