تنشط الدبلوماسيّة الأميركيّة تجاه تل أبيب، لإنهاء الحرب على غزة، خلال أسابيع أو أيّام قليلة، مع تزايد وتيرة المعارك في جنوب لبنان، واشتداد القصف الإسرائيليّ على القطاع الفلسطينيّ، الذي يشهد حرباً مُدمّرة منذ 7 تشرين الأوّل الماضي. وقد يكون أبرز مُؤشّر على رغبة إدارة الرئيس جو بايدن وقف إطلاق النار على كافة الجبهات، إقتراب الإنتخابات الرئاسيّة، الذي يتنافس فيها مع دونالد ترامب، الذي أثبتت آخر الإستطلاعات، أنّه يتقدّم على الرئيس الحاليّ، بسبب الحرب في فلسطين.
وربما يكون من المُؤشّرات الأخرى التي تتخوّف منها الإدارة الأميركيّة، هي إطالة الحرب في غزة، ما قد يُؤدّي إلى تفجير الوضع الأمنيّ أكثر في جنوب لبنان، وبقيّة البلدان في الشرق الأوسط، حيث النفوذ الإيرانيّ، وتواجد الفصائل المسلّحة المُواليّة لطهران، والتي تشنّ هجمات يوميّة، على القواعد الأميركيّة في سوريا والعراق، وتستهدف السفن التجاريّة في بحر العرب، والبحر الأحمر، وخصوصاً تلك المُتّجهة إلى تل أبيب.
وبحسب محللين عسكريين، فإنّ إسرائيل ترغب في تمديد الحرب، لأنّها لم تُحقّق أيّ هدفٍ حتّى الآن، وهذا الأمر تخشاه أميركا، التي كلّفها دعمها المُطلق لتل أبيب، خسارة إقتصاديّة، تتمثّل بإرسال المساعدات العسكريّة العاجلة إلى حليفتها في الشرق الأوسط، وأمنيّاً، عبر تهديد مصالحها في سوريا والعراق، وسياسيّاً، عبر انخفاض تأييد الشارع الأميركيّ للمعارك في غزة، وتدّني عدد مُؤيّدي بايدن بشكل لافت.
وبينما تُصّر الحكومة الإسرائيليّة على إكمال الحرب، حتّى تحقيق كافة الأهداف التي وضعتها، ومنها القضاء على “حماس”، أو أقلّه على قادة “الحركة”، يستبعدّ المحللون العسكريّون أنّ تستمرّ تل أبيب بعمليّتها الأمنيّة في غزة، لأنّ إقتصادها أصبح يُعاني كثيراً، وقد انخفضت قيمة عملتها، إضافة إلى أنّ الحركة الإقتصاديّة والسياحيّة والإنتاجيّة متوقفة منذ 7 تشرين الأوّل، وخصوصاً بعد استدعاء الإحتياط بشكلٍ فوريّ للخدمة العسكريّة.
كذلك، فإنّ إسرائيل تُواجه مشكلة نزوح غير مسبوقة، تمتدّ من مستوطنات غلاف غزة، وصولاً إلى المستعمرات القريبة من جنوب لبنان، وهؤلاء المستوطنون يُبدون غضباً على حكومة بنيامين نتنياهو، التي لم تستطع حمايتهم، وقامت بتسليحهم، عوضاً عن كشف مُخطّط عمليّة “طوفان الأقصى” وإفشاله، واعتراض الصواريخ التي تُطلق من غزة ومن لبنان.
وأمام هذا الواقع، يقول المحللون العسكريّون، إنّ الضغط الداخليّ، أكان شعبيّاً أو سياسيّاً، يزداد على نتنياهو، لإنهاء الحرب فوراً، واستعادة الرهائن الإسرائيليين لدى “حماس”، الذين يُقتلون إمّا في الغارات الإسرائيليّة على مناطق غزة، وإمّا عبر العمليّات الإسرائيليّة الفاشلة، التي تهدف إلى استرجاعهم بالقوّة العسكريّة.
ويُشير المحللون إلى أنّه كلّما أطالت إسرائيل الحرب، كلّما زاد الخطر على توسّعها إلى جنوب لبنان وبعض البلدان في المنطقة، فإيران وضعت إستراتيجيّة ناجحة، عبر تحريك الحوثيين في اليمن، وضغطهم على حركة الملاحة البحريّة من جهّة، وعبر “حزب الله” في الجنوب، الذي يضرب أهدافاً إسرائيليّة من دون توقّف، من جهّة أخرى.
ووفق المحللين العسكريين، فإنّ المعارك في غزة أخذت بعداً إقتصاديّاً وسياسيّاً، ولم تعدّ تتعلّق بتحقيق نصرٍ إسرائيليّ وأميركيّ على “حماس”، فواشنطن منهكة، والتضخّم ارتفع فيها منذ بدء الحرب في أوكرانيا، وهي لم تعدّ تستطيع تأمين السلاح والأعتدة كما في السابق لكييف، وهذا الأمر مُهدّد بالفعل، إذا خسر بايدن الإنتخابات الرئاسيّة، لأنّ ترامب سيُنهي التدخّل الأميركيّ بشكل عاجل ضدّ روسيا، وسيعود إلى تقليص مساهمة بلاده في ميزانيّة “الناتو”.
ويُضيف المحللون أنّ الحرب في غزة قد تكون كلّفت بايدن وحزبه الإنتخابات الرئاسيّة، وإدارته تعمل في الوقت الراهن، على إقناع إسرائيل بإنهاء الأعمال القتاليّة، ما قد يعود إليه إيجابيّاً في الشارع الأميركيّ، لكن يقول المحللون، إنّ واشنطن تأخّرت كثيراً، ولم تنجح في استثمار ما يجري في فلسطين، لصالح الرئيس الأميركيّ الحاليّ، لكن لا شيء يمنعها من المُحاولة، وخصوصاً إذا صوّرت نفسها أنّها كانت طرفاً أسياسيّاً في عودة الهدوء والإستقرار إلى غزة ومُحيطها، وكسبت بطريقة ما أصوات الأقليّات في أميركا.
لبنان24