أفادت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، أن “تل أبيب” تلقت تحذيرا أميركيا من محاولة شن هجوم على لبنان، لإبعاد حزب الله عن الحدود، لكن واشنطن تهدف إلى “تقليل التوترات” بدلا من خيار الحرب.
التحذير الأميركي جاء، وفقا للتقرير الذي نشر يوم الجمعة الماضي، بعد “تفكير إسرائيل في تنفيذ هجوم جوي كبير” على لبنان.
وتجري في الوقت الحالي، مباحثات بين أروقة تل أبيب وبيروت، برعاية أميركية، بغرض الوصول إلى “معايير اتفاق طويل الأمد لزيادة الاستقرار على طول الحدود”، وكذا من أجل عودة المستوطنين إلى شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك ما يقابلهم من سكان جنوب لبنان، الذين فروا إثر تبادل الاستهدافات منذ 78 يوماً، وذلك عقب انتهاء الحرب على غزة.
وعلى عكس تل أبيب، التي تهدد بيروت بالدمار، تسعى واشنطن إلى إحلال الجيش اللبناني في المنطقة الحدودية وإبعاد عناصر حزب الله.
ويقود هذه التحركات “عاموس هوكشتاين”، أحد مستشاري البيت الأبيض الذي أشرف على المحادثات العام الماضي، التي أسفرت عن اتفاق بين “إسرائيل” ولبنان بشأن ترسيم الحدود البحرية، وفقا لـ “نيويورك تايمز”.
وتتركز المفاوضات الجارية إلى تجنب توسع دائرة القتال بين حزب الله اللبناني وقوات الجيش الإسرائيلي، وذلك على الرغم من وقع خسائر بشرية بفعل الاشتباكات بينهما على طول الحدود.
وبحسب المعلومات المنقولة، فإن تل أبيب تطالب بدفع عناصر حزب الله إلى نحو 8 كيلومترات بعيدا عن الحدود، تجنبا لأحداث 7 تشرين الأول الماضي.
وفي السياق نفسه، أوضحت الصحيفة أن الولايات المتحدة تؤيد فكرة إبعاد حزب الله بأكثر من 5 كيلو مترات في عمق الأراضي اللبنانية.
من جانبها، نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال”، اليوم الأحد، أنه بعد عملية “طوفان الأقصى”، فكّرت تل أبيب بغزو جنوب لبنان جوا، من أجل “شلّ قوات حزب الله”، إلا أن الإدارة الأميركية منعتهم من تنفيذه.
وفي سياق متصل، رجّح المحلل العسكري الإسرائيلي، رون بن يشاي، اليوم، في مقاله بصحيفة “يديعوت أحرونوت”، أنه من المحتمل أن تكون هناك حاجة إلى مناورة برية محدودة (جنوب لبنان) لتحريكها (عناصر حزب الله) ليس فقط إلى ما هو أبعد من المدى المضاد للدبابات، الذي يبلغ الآن ثمانية كيلومترات، ولكن أيضا إلى ما هو أبعد منه.
وبيّن بن يشاي أن هناك ضرورة للوصول إلى وضع حيث لن يتمكن حزب الله من استخدام القوة العسكرية في جنوب لبنان، مستدركا بأن هذا الأمر سيتعين عليه الانتظار حتى بعد إطلاق سراح الأسرى في غزة، وإلحاق الضرر بالقيادة العليا لحماس، وتفكيك بنيتها التحتية الرئيسية بشكل مقيد، بحسب قوله.
أما بخصوص مدى إمكانية شن حملة عسكرية من قبل الجيش الاسرائيلي على حزب الله جنوب لبنان، يقول المحلل العسكري اللبناني، إلياس حنا، إن “الهجوم ممكن من ناحية التخطيط، لكن يصعب تنفيذه”.
وأضاف حنا، في حديثه لـ”عربي21″: “الحرب على جنوب لبنان احتمال وارد ضمن الجبهات القتالية”، مستبعدا احتمالية إقدام الجيش الإسرائيلي على الهجوم في هذا التوقيت.
وعزا حنا الأسباب إلى عدة نقاط، منها أن “غالبية الجيش الإسرائيلي متواجد في قطاع غزة، كما أن تل أبيب لا يمكنها خوض حرب دون موافقة أميركية وهي غير موجودة حاليا”.
وتابع: “حزب الله وإيران لا يريدان حرباً لأنها ليست مضمونة النتائج، كما أن الوسائل التي يجب أن تتوفر للحرب من أعتدة وذخيرة غير متوفرة لدى تل أبيب”.
وبيّن أن الولايات المتحدة لا يمكنها تأمين اللوجستية المطلوبة لنقل العتاد اللازم عن طريق الجسر البري، إلى “إسرائيل”، كما في المرة السابقة. مؤكدا أن “الحرب مع حزب الله، ستكون مستهلكة للذخيرة بشكل رهيب”.
ولفت المحلل العسكري إلى أن إيران فتحت جبهات لبنان والعراق وجماعة الحوثي في اليمن، من أجل “تكثيف الضغوطات على أميركا وإسرائيل لتجسين الشروط عليهما لأهداف مستقبلية لطهران”، مبينا أن انشغال الدول بالواقع في غزة “وضع مناسب لإيران”.
وفي خضم حديثه لـ”عربي21″، ووسط استبعاده شن غزو بري على جنوب لبنان، رجّح إلياس حنا، أن “تصبح الاشتباكات الحالية أكثر حدة وتظل أقل من حرب”، وفق لتعبيره.
كما استبعد خيار الهجوم البري “المحدود”، نظرا لعدم توفر عنصر المفاجئة، وكذلك النتيجة “غير المناسبة” التي تلقتها تل أبيب من الهجوم البري على غزة و”حماس”، خاصة أن الجيش الإسرائيلي يخسر ملايين الدولارات يومياً، في ضربة قد تؤدي لانهياره اقتصادياً.
في المقابل، يبدو أن لدى المحلل السياسي اللبناني، حنا صالح، رأيا مختلفا عن نظيره العسكري، قائلا إن”العملية ممكنة ومكلفة للعدو ومدمرة للبنان، وأبرز شروط حصولها الموافقة الأميركية”.
وأردف في حديثه لـ”عربي21″: “حرب غزة استنفدت المخازن الإسرائيلية وكذلك الجسر الجوي الأميركي، والاحتياجات ستكون كبيرة إن تم فتح الحرب الشاملة على لبنان”.
وتابع، “بالنهاية العدو الإسرائيلي يستهدف على الدوام لبنان واللبنانيين ومن ضمنهم حزب الله. لكن حتى اللحظة لا ضوء أخضر من واشنطن لأنها متوجسة من توسيع نطاق الحرب ويهمها حصر المواجهة العسكرية في القطاع”.
وذكر صالح أن “إسرائيل” “اتخذت القرار تحت عنوان حماية المستوطنات الشمالية وتتحين الفرصة والظروف لتنفيذ ذلك وهي تعرف أن الأمر مكلف وبالنهاية التنفيذ مرتبط أيضاً بمدى تقدم عملياتها الإجرامية ضد قطاع غزة”، مضيفا الأمر “غير وارد في الأيام القليلة”.
حول قراءته للجانب الدبلوماسي، أوضح المتحدث نفسه أن “النشاط الفرنسي والغربي عموماً لتطبيق القرار الدولي 1701 يهدف إلى تجنيب لبنان هذه الضربة لأنها وفق الفرنسيين جدية ومدمرة. وتطبيق القرار الدولي يناقش من زاوية الإلتزام بجعل منطقة عمليات اليونيفيل جنوب الليطاني خالية من السلاح والمسلحين”.
وأشار المحلل السياسي إلى أن “هذا هو محور الإتصالات وما تلح عليه تل أبيب، فيما تعرض واشنطن العمل لتسوية نقاط الخلاف الحدودية البرية كمقابل”.
ورأى أن “إعلان حزب الله ربط الوضع في الجنوب بغزة قد أدى إلى رسم ملامح سوداء للوضع عموما”، داعيا إلى الابتعاد عن “الدور الإيراني”.
بشأن موقف الحكومة اللبنانية من هكذا سيناريو، قال صالح لـ”عربي21″: إن “السلطة السياسية اللبنانية غائبة عن السمع وعن المسؤولية. تدير الظهر لتهديد وجودي خطير. لبنان يواجه انهيارا ماليا واقتصاديا واجتماعيا”.
ومضى يقول: “إنها سلطة تابعة تنتظر ما يقرره لها حزب الله وتعرف جيداً أن قرار الحزب في طهران وليس في الضاحية الجنوبية”.