هذا ما ينتظر الليرة بـ2024!

لم تمر سنة 2023 على الليرة اللبنانية كسابقاتها من سنوات الأزمة. ففي هذا العام سلكت الليرة اللبنانية مساراً جديداً من الانهيار يتجاوز تدهور قيمتها. فقد بلغت الليرة مرحلة تحجيمها وتقليص دورها ووضع حدود ضيقة لتعاملاتها، ليس لسبب سوى أنها باتت بلا قيمة.

فقدان الليرة دورها
في العام 2023 فقدت الليرة اللبنانية وظائفها وأدوارها الطبيعية أمام الدولار. فلم تعد العملة الوطنية أداة صالحة للإدخار، نتيجة تعدد أسعار الصرف، بعد مسار دام سنوات من تأرجح سعرها. ما خلق حالة من انعدام الثقة لدى المواطنين بالليرة، حتى بات عموم أركان السوق، سواء كانوا تجاراً أو مستهلكين، يحوّلون أموالهم إلى الدولار بشكل مستمر من دون الاحتفاظ بالليرة لأي سبب كان.
كما لم تعد الليرة أداة إقراض ووحدة محاسبية. وذلك بسبب تغير سعرها في الأشهر السابقة، ومخاوف من عودتها إلى التذبذب في المرحلة المقبلة. أما دورها كأداة مبادلة، فبات خجولاً. إذ وعلى الرغم من اعتمادها في أدوار المبادلة بين المستهلكين والتجار، إلا أن التعامل بالدولار بات مسيطراً على الأسواق وعموم التعاملات.

وعلى الرغم من التدهور المستمر في سعر صرف الليرة منذ نهاية العام 2019 وحتى النصف الأول من العام 2023، كانت حركة التبادل بالليرة لا تزال نشطة بصرف النظر عن التدهور الكبير في الثقة بالعملة الوطنية. غير أن الأشهر الأخيرة من العام الحالي بدا واضحاً حلول الدولار محل الليرة في العديد من التعاملات، خصوصاً بعد أن تمت دولرة معظم الخدمات والرواتب.

وفي حين شهد النصف الأول من العام 2023 طلباً قوياً جداً على الدولار، وبلغ حينها سعر الليرة أدنى مستوياته على الإطلاق، شهد النصف الثاني من العام المذكور استقراراً في سعر الصرف في محيط 89000 ليرة للدولار الواحد.

مسار الليرة خلال العام 2023
انطلقت الليرة مطلع العام 2023 عند مستوى 42 ألف ليرة للدولار الواحد، وبدأ مسارها الإنحداري بشكل متسارع جداً، فتكبدّت خسائر بقيمة 30 في المئة خلال أيام قليلة خلال شهر كانون الثاني 2023. واستمر انحدار قيمة الليرة مع بداية العام 2023، وسط إحكام المضاربين على العملة قبضتهم على السوق السوداء وعلى مسار العملة الوطنية.

واتسم النصف الأول من العام 2023 بالطلب الهائل على الدولار، من قبل مصرف لبنان والمصارف والتجار والأفراد. أما المصدر الوحيد للدولارات فكان السوق السوداء. ما أدى حينها إلى تحليق سعر صرف الدولار في مقابل الليرة، وتسجيله أرقاماً قياسية تاريخية، وانسحابه بطبيعة الحال على أسعار الاستهلاك، لاسيما أسعار المواد الغذائية.

ومن 42 ألف ليرة بلغها الدولار مطلع العام 2023 ارتفع بشكل صاروخي إلى ما يتجاوز 140 ألف ليرة خلال شهر آذار 2023. أي خلال 3 أشهر فقط. وقد تزامن ارتفاعها مع تخبط واسع في السلطة النقدية والسياسية، ومع اتساع السوق السوداء وانفلاتها، وأيضاً مع حدث فريد انعكس سلباً على الأسواق ومستويات التضخم، تمثّل بإقرار دولرة أسعار الاستهلاك رسمياً.

فقد صدر قرار دولرة أسعار السلع في 1 آذار 2023. وكان سعر صرف الدولار آنذاك تحديداً 88600 ألف ليرة، وحينها بدأ سعر صرف الدولار رحلته الصاروخية إلى رقمه القياسي في مقابل الليرة، فبلغ 128000 ليرة في 21 آذار، ولامس 140 ألف ليرة خلال فترة زمنية قصيرة جداً، ثم تراجع سعر صرف الدولار تدريجياً حتى 23 آذار، حين بلغ 107000 ليرة، واستمر عند مستوى 107000 إلى 106000 ليرة حتى الأول من نيسان 2023.

ثم دخل سعر الدولار جولة تراجع جديدة استمرت لأيام حتى 5 نيسان، حين بلغ 98000 ليرة. واستقر عند هذا المستوى حتى تاريخ الأول من شهر أيار 2023، وأخذ الدولار بالتراجع البطيء من دون أن يكسر حاجز 90000 ليرة نزولاً حتى تاريخ الأول من شهر آب، حين تسلم نائب حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري مهام الحاكمية، متخذاً قرار وقف نزف الدولارات، وعدم إقراض الدولة أو الإنفاق على منصة صيرفة من دولارات المركزي.

واستقر سعر صرف الدولار عند 89500 ليرة منذ مطلع آب وحتى اللحظة. فلم يشهد أي تغييرات إن صعوداً أو هبوطاً، ما انعكس إيجاباً على الأسواق على الرغم من أن سعر الدولار مرتفع ويلامس 90 ألفاً، إلا أن الاستقرار ساعد المواطنين على حسن التعامل مع الأزمة.

وعزا محللون أسباب استقرار سعر الدولار طيلة هذه المدة إلى مجموعة عوامل، بدءاً من وقف مصرف لبنان تمويل الدولة بالعملات الأجنبية ودولرة رواتب القطاع العام، بمعنى استمرار تأمين الدولارات لتغطية رواتبهم. والأهم من ذلك، وقف منصة صيرفة حيث توقف نزف الدولارات من احتياطات مصرف لبنان، إلى جانب عوامل أخرى لا ينفصل عنها القرار السياسي، الذي رافق إجراءات حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري منذ تسلمه منصبه، وتأثير القرار السياسي على مسألة لجم المضاربين على العملة.

أما ما ينتظر الليرة اللبنانية في العام المقبل 2024 فيرتبط بعدة استحقاقات، منها إقرار موازنة 2024 وإقرار قانون الكابيتال كونترول، لما لهما من تأثير على هدف توحيد أسعار الصرف وإطلاق منصة بلومبرغ.
وقد شهد لبنان في الايام القليلة الماضية إلغاء سعر منصة صيرفة السابق 85500 الذي كان يطبق على رواتب العاملين بالقطاع العام، وتم رفعه إلى 89500 وهو السعر المعتمد في كافة التعاملات والفواتير، في سبيل توحيد أسعار الصرف في المرحلة المقبلة.

Exit mobile version