ما بقيَ من جبران باسيل… للعام 2024

يمكن اختصار «عام جبران باسيل» المنصرم، بقليل من الصور المعبّرة:

بهذا السياق، يمكن القول إنّه على روزنامة جبران باسيل، شكّل بداية العام 2023 نقيضاً لنهايتها. أقله في الشكل. ولكن في العمق، لا شيء تغيّر بعدما أحرق رئيس «التيار الوطني الحر» مراكبه مع كل القوى السياسية، ويكاد يشعلها أيضاً مع «حزب الله»، آخر الواقفين إلى جانبه.

في 23 كانون الثاني الماضي، كانت زيارة وفد «الحزب» إلى ميرنا الشالوحي مشهدية قلّ نظيرها، تقصّد الحزب إبرازها للعلن في محاولة منه لكسر بعض الجليد الذي تراكم على طريق تفاهم مار مخايل، بعد الصدمة التي تعرّض لها باسيل جرّاء انقطاع حبل سرّة شراكته و»حزب الله» في حكومة نجيب ميقاتي.

بعد خروج الرئيس ميشال عون من قصر بعبدا في 31 تشرين الثاني 2022، كانت أولى حلقات الافتراق بين الشريكين والتي بدت كأنّها «الهجر» الذي يسبق عادة الطلاق. يومها عوّل باسيل على مساندة الحزب له في قرار مقاطعة جلسات حكومة تصريف الأعمال، لكن «الحزب» اختار فصل المسارين بكل ما يحمله هذا القرار، وهو الأدرى، من تداعيات على العلاقة.

أمّا الأسباب فكثيرة، ولعل رئاسة الجمهورية هي آخرها. ولكن بالنتيجة، بدا أنّ مقاربة جديدة تحكم رؤية «الحزب» للعلاقة مع حليفه المسيحي بعد حوالى 17 عاماً على التفاهم. تصرّف الطرف الشيعي وكأنّه سدّد المستحقات المتوجبة عليه، واعتباراته الرئاسية استراتيجية، ولا يمكن لها أن تمرّ بممر «جشع» جبران باسيل. لذا فرض نمطاً جديداً من التعاطي: صارت بشروط «الحزب» لا بشروط «التيار».
أكثر من ذلك، ثمة من اعتبر أنّ «الحزب» بصدد تصحيح العلاقة بباسيل، أو بالأحرى تصويبها، بعدما كانت قائمة على معادلة ذهبية، وهي تأمين كلّ متطلبات الحليف المسيحي. صار، يقيسها بمنطق: مصالحي فوق كلّ اعتبار. ولهذا لم يتردد في كسر حلقة الشراكة في السلطة التنفيذية ليساير رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في ترؤس جلسات لمجلس الوزراء.

مصير باسيل

واذا كانت رئاسة الجمهورية هي العنوان العام، فإنّ مصير جبران باسيل، هو عنوان عامه المنصرم. أي مصير ينتظره بعد ولادة العهد الجديد؟ هو السؤال الذي يؤرق راحته.

لهذا يخوض الرجل معركة وجودية، فيها حياة أو موت. لا مساومة مع «الحزب» في خيار دعم سليمان فرنجية مهما كانت المغريات. ولا قبول بترئيس جوزاف عون مهما كانت الضغوط. يبحث عن خيار ثالث يناسبه يجلعه شريكاً للعهد، اذا لم نقل سيده، لكن الاحتمال الأخير مرفوض من الداخل والخارج. وهو لذلك، يتصدى لأي محاولة ترفع من حظوظ القطب الزغرتاوي لدرجة التقاطع مع خصومه على اسم جهاد أزعور بعد جهود بذلها ليقنع هؤلاء أنّه لا يناور. وهو لا يزال متهماً بأنّه كان يناور بعدما تسربت أخبار أنّه عشية تلك الجلسة كان لا يزال يراسل «الحزب» ويطلب منه التخلي عن فرنجية لكي يتخلى عن أزعور.

ولكن هذا التقاطع، الذي يراه بعض عارفيه بمحاولة ناجحة لكسر جدار الرفض له من جانب القوى المعارضة ما فتخ له أبواباً كانت موصدة، وآخرها أبواب كليمنصو، يراه البعض الآخر، شيئاً من سياسة الهروب إلى الأمام. فهو مزروك في زاوية علاقته بـ»حزب الله»: «لا قادر يبقى ولا قادر يفلّ». لا حلفاء لديه إلّا «الحزب» والأخير يتصرف بمنطق أنّ التفاهم انكسر بعمقه وصار لا بدّ من خيارات بديلة، بدليل ما حصل في مسألة التمديد لقائد الجيش التي راعى فيها «الحزب» باسيل بالشكل لا بالمضمون. أكثر من ذلك، يتردد أنّ رئيس «التيار» بات يخشى أن تمرّ مياه التسوية الرئاسية من تحت قدميه من دون أن يدري أو يفرض نفسه شريكاً فيها. ولهذا، يخشى من الإقدام على خطوة «الطلاق» مع «الحزب».

في المقابل، فإنّ تراجع حضور «التيار الوطني الحر» شعبياً، بدليل أرقام الانتخابات النيابية والنقابية والطلابية، تدفعه إلى التفكير ملياً بخيارات جديدة تسحب البساط من تحت أقدام المعارضات. وأحد تلك الخيارات هو الابتعاد نسبياً عن «الحزب». ولكن إلى أين؟ لا جواب.

عملية شيطنة

ومع ذلك، يرى بعض عارفيه انّه دفع ثمن عملية شيطنة كبيرة عبّرت انتفاضة 17 تشرين وما تلاها، ويكفي أنّه لا يزال لاعباً أساسياً لكي يسجل له أنّه صمد وخرج سليماً من مشروع «اغتياله» السياسي، فيما خسارة معركة التمديد لا تعني خسارة الحرب، مشيرين إلى أنّه نجح في تنظيم خلافه مع «حزب الله»، وصار لكل فريق وضعيته الخاصة بمعزل عن حليفه، لافتين إلى أنّه كسر الحصار الدولي الذي كان مفروضاً عليه وحقق نقلة في هذا الشأن، كما كسر من حدة الخلاف مع كل القوى السياسية، وصار بإمكانه التواصل مع مختلف القوى حتى لو اختلف معها.

يقولون صحيح أنّ سجل العام 2023 ليس حافلاً بالإنجازات، ولكن يكفي أنّه عطّل مشروع «حزب الله» في ترئيس فرنجية، كما أقفل باب التشريع في البرلمان ردّاً على سياسة الأبواب المفتوحة في مجلس الوزراء والتي يعارضها.

ولكن ماذا عن المحصّلة؟

يقف جبران باسيل أمام مفترق طرق: الشراكة مع أي عهد غير مضمونة النتائج، والإلتحاق بالمعارضة بعد أكثر من 15 عاماً على الجلوس في جنّة السلطة، مخاطرة قاتلة. قبل أشهر قليلة، كانت مروحة خياراته تتوزّع بين «الرابح والأكثر ربحاً»، اليوم صار يبحث عن أقل الخسائر الممكنة. وهو انتقال لا يُحسد عليه ويصعب التأقلم معه، اذا ما أضيف إلى جملة التحديات والصعوبات التي يواجهها رئيس «التيار»، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، وحدة «تكتل لبنان القوي».