لبنان يدور بحلقة مفرغة… هل من إستقرار نقدي قريباً؟

رأت الباحثة الاقتصادية سابين الكيك أن العام 2023 لم يسجل أي تقدم أو تحسن على صعيد الأزمة المالية والاقتصادية التي لم يحدث مثيل لها في تاريخ لبنان. فبعد أربع سنوات من هذه الأزمة الطاحنة نشهد اليوم نوعا من الاستقرار النقدي منذ مطلع أبريل الماضي الذي سعت اليه السلطة السياسية والمالية وتعتبر أنها حققت إنجازا. وهو استقرار غير مبني على أسس اقتصادية صحيحة، وهو وهمي ومصطنع اختارته السلطات المعنية أي الحكومة والمجلس المركزي لمصرف لبنان للتخفيف من التداعيات ومن ردات الفعل الاجتماعية، على حساب الإصلاح وتصحيح المسار الاقتصادي.

وأشارت الكك في تصريح لـ«الأنباء» الى أنه جرى ربط الأزمة بتثبيت سعر الصرف الذي هو من الناحية العملية ليس سعرا طبيعيا، مع انعدام حركة العرض والطلب الطبيعية، فضلا عن أن الحركة الاقتصادية في حالة انكماش وتضخم، وتعاني المصارف من أزمة سيولة بسبب الأزمة المصرفية. وبالتالي كلما طال أمد الأزمة فإنها تصل الى طبقات عميقة جدا ويصبح التصحيح هيكليا وصعبا، إذا هناك بعض التحسن طرأ في بعض الأماكن والمظاهر، إنما في أماكن أخرى هناك أوضاع اجتماعية صعبة، والإدارة العامة في حالة هلاك كبير. وهذا الأمر له انعكاساته على التطلعات الاستثمارية لأن أي مستثمر يأخذ بعين الاعتبار العمل الإداري وانتظامه، والقضاء وسيادة القانون.

وأكدت الكك أن الهدوء المخيم على سوق القطع والمترجم استقرار في سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية في السوق الموازية، يعود الى تحكم مصرف لبنان المركزي بسعر الصرف من خلال سحب الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية التي عمل الحاكم السابق للمصرف رياض سلامة على سحبها من السوق وبما أن المصارف فاقدة للسيولة، فإن المركزي هو الوحيد من يمسك بالسوق ويتحكم به.

واعتبرت الكك أن العوامل التي ترسخ الاستقرار النقدي غير موجودة، وكل ما جرى خلال هذا العام هو استيعاب خروج رياض سلامة من حاكمية مصرف لبنان، والعمل على تثبيت سعر الدولار على 89 ألف الذي لم يتحرك على الرغم من التداعيات الأمنية جراء الجبهة المشتعلة في الجنوب وحرب غزة، وكأن هناك من يمسكه من رقبته، وهذا أمر غير جيد لأننا جربنا تثبيت سعر الصرف خلال 30 عاما، وهذه حالة غير طبيعية في أوضاع اقتصادية تشهد انكماشا وتضخما وتدعو الى السؤال لماذا وكيف، وما الثمن الذي يدفع، وما الذي يستنزف وعلى حساب ماذا؟

وأسفت د.الكك أنه في ظل هذه الأزمة لم يتم إلزام المصارف بإعادة الهيكلة بهدف تدوير العجلة الاقتصادية، في وقت ينظر فيه الى أزمة المصارف من ناحية أنها لا تدفع أموال المودعين، وهذه خطيرة جدا، فالمصارف ليست فقط أموال المودعين، إنما هي الحركة التسليفية للقطاع الخاص وللأنشطة الاقتصادية المتوقفة، وهذا يشير كم هو الاقتصاد متوقف. فمن كان يقدم على تنفيذ مشروع يذهب الى المصارف كما في كل دول العالم للحصول على سلفة. أما اليوم فإن أية مبادرة أو مشاريع صغيرة أو متوسطة شبه معدومة، وأيضا المشاريع الاستثمارية الكبيرة، لأن لا ثقة سياسية واقتصادية، لذلك قلت ان هناك ثمنا يدفع، وإلا ماذا يعني في بلد فيه أزمات يبقى سعر الصرف ثابت الى هذه الدرجة.

وإذ أشارت الكك الى أن هناك محاولات لتوحيد سعر الصرف بعد توقف منصة صيرفة التي لا أسف عليها بعد أن كلفتنا من 6 الى 7 مليارات دولار. مع ما يجري من حديث عن ربط أموال المودعين بسعر الصرف الرسمي وبإقرار الموازنة، وهذه مقاربة خبيثة ولا يجوز أن تربط أموال المودعين بأي سعر، ويجب أن يستعيد المودع أمواله بالعملة الأجنبية، فلماذا هذا اللف والدوران. فهذه الأموال لم تتبخر، بل كانت هناك إدارة سيئة وخاطئة واختلاسات وفساد وسياسة مالية خاطئة.

وتوقفت الكك عند انتهاء دور رياض سلامة الذي شكل خروجه من الحاكمية نقطة مفصلية، آملة لو أن إدارة الحاكم بالإنابة لديها الجرأة أكثر للعمل على التصحيح في المصرف المركزي. ورأت أن نهج سلامة وشبحه وأسلوبه وما زرعه مازال راسخا وبطبقات عميقة.

كما توقفت الكك عند مشروع قانون موازنة 2024 التي تواصل لجنة المال والموازنة مناقشته، مؤكدة على وجود إشكالية دستورية في حال صدرت بمرسوم حكومي، مع العلم أنها موازنة تفتقد الى الرؤية الاقتصادية ووصلت الى مجلس النواب من دون قطع حساب لمعرفة ما إذا كانت الأرقام والتقديرات التي تحملها صحيحة أم لا.

وشددت الكك على ضرورة إقرار الموازنة في مجلس النواب قبل أي قانون اخر لأن لا ضرورة أكثر من الموازنة، مع الحرص الشديد على المؤسسة العسكرية وعلى الجيش، فالموازنة هي صلاحية موصوفة لمجلس النواب، لأنه الجهة الوحيدة التي تمارس الرقابة على المالية العامة للدولة، وعليه أن يكونوا حريصين على انتظام مالية الدولة.