انعكست الحرب بشكل مباشر على القطاع الزراعي، وتحديداً في القرى الحدودية، 70 في المئة من سكانها يعتمدون على الزراعة في معيشتهم، فهي تشكّل العمود الفقري الاقتصادي لهم، هذا المورد أطاحته الحرب اليوم. لم يتمكّن مزارعو القرى من زراعة حقولهم للموسم الشتوي، وضاع عليهم موسم الخريف أيضاً.
بكى يوسف عيسى بحرقة، هو المزارع الكبير، كما يصف نفسه، يزرع مساحات واسعة من أراضيه في بلدة ميس الجبل، لم يتمكّن حتى من قطاف زيتونه، في حين ضاع عليه موسم الخريف الذي عادة ما يزرعه بالخضار والبقوليات، أما الموسم الشتوي فصار في خبر كان، يقدّر خسارته بأكثر من 20 ألف دولار وربما أكثر «نعيش من مردود الزراعة ودونها تتدهور أحوالنا، خسارتنا كبيرة لا تعوّض، وفوق كل ذلك قصفت أراضينا بالفوسفور، لا نعرف إن كانت ما زالت صالحة للزراعة».
طيلة السنوات الماضية شكّلت الزراعة العصب الاقتصادي للقرى الحدودية، إذ تنشط فيها البيوت البلاستيكية ويُعدّ سهلا مرجعيون والوزاني الأكثر شهرة، ويرفدان السوق المحلية بحوالى 30 في المئة من حاجته.
توقفت الزراعة حالياً، هذا القطاع الذي حقّق إنماءً كبيراً في قرى الشريط الحدودي يقف في مهبّ الحرب، خسائر بالجملة تلحق بالمزارع وقد شرّدته الحرب اليوم وأبعدته عن حقوله.
يعدّ هذا القطاع رئة الجنوب الاقتصادية، 56 بلدة تشكّل الزراعة عمودها الفقري، غير أنّ الحرب والقصف الفوسفوري أطاحا هذا القطاع «عن بكرة أبيه»، الأراضي الجنوبية بمعظمها لم تعد صالحة للزراعة، وعدم طرح المحاصيل الجنوبية في الأسواق الداخلية رفع أسعار الخضار بشكل لافت، فهي ترفد السوق بنحو 50 في المئة من الإنتاج، بحسب نقيب الخضار في منطقة الجنوب والنبطية جهاد المدقوق، الذي قال «الزراعة اليوم مهدّدة بشكل كبير، والحرب بدأت تترك آثارها على هذا القطاع. وعدم زراعة السهول الواسعة في مرجعيون والمجيدية والوزاني بدأ يؤثر في الأسواق المحلية التي تحتاج الى هذه الزراعات». وأضاف «كانت محاصيل الجنوب تسدّ حاجة مهمة، اليوم خسرناها».
أولى نتائج انحسار الزراعة الجنوبية ارتفاع أسعار الخضار في الأسواق، وقد ظهر ذلك جلياً مع بداية العام الجديد.
فصلت الحرب الدائرة منذ 90 يوماً 56 ضيعة جنوبية حدودية عن الجنوب ولبنان، توقفت فيها شرايين الحياة، والقطاع الزراعي هو الأكثر تأثّراً، خسارته بملايين الدولارات. فالقطاع الذي طوّر نفسه طيلة السنوات الماضية وأدخل البيوت الزراعية التي زادت الإنتاج المتعدد، وأضيف إليها تطوير الصناعة الزراعية ذات الجودة العالية، التي يصدّرها الى الخارج، مُني بنكسة العمر، حسبما يقول المصدر الزراعي، فمزارعو الشريط الحدودي اليوم أعادتهم الحرب عشرات السنين إلى الوراء، محاصيلهم من حبوب وبقوليات وخضار منوّعة التي كانت تطرح في الأسواق فتنعش اقتصاد القرى، قضت عليها الحرب.
وبحسب المصدر الزراعي «على مرّ 23 سنة مضت، أسهم القطاع الزراعي في إنعاش القرى إنمائياً وحياتياً وسياحياً، وحرّك دورة اقتصادية وتنموية رائدة في تلك القرى، اليوم أصيب بنكسة خطيرة، إذ لا تكفي خسارة المواسم، بل أضيف إليه الفوسفور الذي قضى على المساحات الزراعية».
توقف الدقدوق عند هذه النقطة، وقال «القصف الفوسفوري وضع القطاع الزراعي في القبر، كنا كتجار نعتمد بشكل كبير على ما يصدّره أبناء الجنوب إلى قرى النبطية ولبنان، ما يؤدّي إلى توازن في الأسعار وثباتها، اليوم خسرنا نصف حاجتنا، فبدأت ترتفع الأسعار وتؤثّر ليس على المقيمين فحسب، بل على النازحين الذين يشكون من فلتان الأسعار».
وأسف الدقدوق لـ»تدمير أحد أهم القطاعات الحيوية التي كنا نراهن عليها لمواجهة أزمتنا، اليوم نعتمد على الاستيراد وتحديداً من سوريا ما يؤدي إلى استقرار نسبي في الأسعار، ومن دون الاستيراد ومحاصيل سهول الوزاني ومرجعيون ترتفع الأسعار، وقد بدأنا نلمس الأمر نسبياً، وتحديداً في جنوب لبنان». ويقول إنّ قطاع الخضار «يعيش نكسة حقيقية، يضطر تاجر الخضار بالمفرّق وضع هامش ربح كبير ليستمرّ، ولكنه يقع في الخسارة، وهذا طبعاً، من آثار الحرب التي نعيشها».
على ما يبدو، الرهان على القطاع الزراعي لضخّ الأوكسجين الاقتصادي في البلد ضاع، أطاحته الحرب، ما يعني أنّ الأزمة الاقتصادية ستتّسع هوّتها، وأنّ الأسعار سترتفع، فهل المواطن قادر على تحمّلها؟