ما زالت المواجهات الدائرة على الجبهة الجنوبية بين حزب الله وإسرائيل تتصدّر واجهة الأحداث في لبنان خصوصاً بعد انتقال تل أبيب إلى مرحلة جديدة من خلال البدء باستهداف مواقع حزب الله خلافاً لما كان عليه الحال بعد 8 تشرين الأول مروراً بتدمير منازل وأحياء سكنية من خلال استخدام الطيران الحربي وصولاً إلى اعتماد استراتيجية الاغتيال والتقنيات المتطورة من خلال استهداف نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» القيادي صالح العاروري في قلب الضاحية الجنوبية في تحد صارخ لحزب الله.
هذه التطورات العسكرية والأمنية جعلت الاستحقاق الرئاسي يتراجع نسبياً إلى مرتبة خلفية بعدما كانت الآمال أن رئيس مجلس النواب نبيه بري سيحيي مع بداية العام الجديد بطريقة أو بأخرى مبادرته التي أطلقها في الذكرى السنوية لإخفاء الإمام موسى الصدر والقائمة على إجراء حوار لمدة 7 أيام للتوافق على اسم رئاسي يليه في حال عدم التوافق عقد جلسات انتخاب مفتوحة حتى انتخاب رئيس للجمهورية. وقد تلقّفت قوى في المعارضة وعلى رأسها القوات اللبنانية تجربة التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون في مجلس النواب لتطالب الرئيس بري بالتأسيس على هذه التجربة توصلاً لإحداث خرق في جدار الاستحقاق وعقد جلسة حاسمة لانتخاب الرئيس بعد آخر جلسة في 14 حزيران التي تنافس فيها رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية والوزير السابق جهاد أزعور، وحال تعطيل النصاب بخروج نواب الثنائي الشيعي وحلفائهم من القاعة دون إتمام العملية الانتخابية وتصاعد الدخان الأبيض.
ومن المعلوم أن الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان العائد قريباً إلى بيروت حسب ما كشف السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو لمتابعة مهمة اللجنة الخماسية في السعي لإيجاد حل للشغور الرئاسي كان طرح بالتوازي مع الموفد القطري ابو فهد جاسم آل ثاني الذهاب إلى خيار ثالث غير فرنجية وأزعور للخروج من الحلقة المفرغة.
غير أن حزب الله لم يقدّم أي مؤشرات إيجابية لناحية موافقته على الخيار الثالث وما زال متمسكاً بخيار فرنجية، مراهناً على أمرين لإيصال مرشحه: الأول اعتباره أن نتيجة المواجهات العسكرية في الجنوب ستأتي لصالحه ما يتيح له كسر التوازنات وفرض مرشحه على المسيحيين وباقي اللبنانيين، والثاني تقديره أن الاتصالات الأميركية والفرنسية لمنع توسّع رقعة الحرب وامتدادها إلى لبنان ستفضي في نهاية المطاف إلى تسوية مع إيران يستفيد منها حزب الله لمقايضة الرئاسة بوقف إطلاق النار في الجنوب وتطبيق القرار 1701.
من هذا المنطلق، سجّل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع موقفه الاستباقي القائل إن «رئاسة الجمهورية ليست جائزة ترضية، لا على مستوى الوضع الداخلي ولا لجهة المعادلات الإستراتيجية» لقطع الطريق أمام أي محاولة للمتاجرة بورقة رئاسة الجمهورية، وللتشديد على «ضرورة أن يكون رئيس الجمهورية العتيد رئيساً فعلياً، بكل ما للكلمة من معنى، وليس مجرد صورة تُعلق في قصر بعبدا» رافضاً «القبول برئيس للجمهورية يؤمن الاستمرارية للأوضاع الراهنة».
وتستهجن أوساط في المعارضة رهانات حزب الله وسردياته السياسية ولا تحسده على ما آل إليه وضعه الحالي حيث باتت إسرائيل تستهدفه في عرينه في قلب الضاحية وفي قلب القرى الحدودية فيما هو مكبّل وغير قادر على الرد لأن إيران لا تريد الدخول في حرب واسعة وهي تفاوض من تحت الطاولة الولايات المتحدة للحصول على مكاسب أو للاحتفاظ ببعض أوراق القوة والنفوذ. وتدعو أوساط المعارضة حزب الله إلى التوقف عن سرد رواياته الوهمية البعيدة عن الواقع والحقيقة حول قوة الردع وتوازن الرعب وقواعد الاشتباك وعجز المجتمع الدولي والتهديد بالرد في الزمان والمكان المناسبين، وهي مصطلحات لم تجر على لبنان سوى الويلات وباتت معروفة الأهداف من أجل إبقاء لبنان في حالة من عدم الاستقرار وساحة للعنف ولتبرير احتفاظ الحزب بالسلاح خارج إطار الدولة ولاستخدام فائض القوة في الداخل لفرض معادلات وتوازنات لا تأتلف مع التركيبة الطائفية في لبنان.
فهل يستجيب حزب الله لدعوات المعارضة ويقبل الاحتكام إلى الآليات الدستورية لانتخاب الرئيس؟
لا توجد أي بوادر على استعداد حزب الله للدخول في أي نقاش حتى اللحظة لا حول الاستحقاق الرئاسي ولا حول تطبيق القرار 1701، وما زال أمينه العام السيد حسن نصرالله يهتم بكيفية الاستمرار بتعبئة بيئته الحاضنة ورفع معنوياتها من خلال الحديث عن فرصة تاريخية للتحرير الكامل وتعداد العمليات العسكرية للحزب وتضخيم حجم الأضرار في مستوطنات الشمال وأعداد الإصابات في صفوف جنود الاحتلال بموازاة التفتيش عن تبريرات لعدم الدخول بحرب أوسع والابقاء على الحسابات المضبوطة، مضيفاً إلى هذه التبريرات وبشكل مستجد الأخذ بعين الاعتبار «المصالح الوطنية».
من هنا، يعتقد البعض أنه على الرغم من موقف حزب الله المؤجل للاستحقاق الرئاسي، إلا أن إنهاء هذا الملف وانتخاب رئيس من ضمن الخيار الثالث وتشكيل حكومة إصلاحية فاعلة هو أمر مفيد وبغاية الأهمية حالياً من أجل إيجاد مرجعية في البلاد تحت مظلة الشرعية الدولية تواكب التطورات وتكون حاضرة على الطاولة في أي مفاوضات تتعلق بمصير المنطقة وباستقطاب الدعم العربي والدولي لخطة التعافي، إذ لا يمكن الركون إلى حكومة تصريف الأعمال في إدارة البلاد خصوصاً بعدما اعترف رئيسها نجيب ميقاتي أن قرار الحرب والسلم ليس في يد هذه الحكومة، ما يفترض وجود رئيس للجمهورية قادر على حُكم الدولة واحترام سيادتها ووقف مشروع الهيمنة على قرارها وأي محاولة لتوريط البلد في معادلات إقليمية بل حمايته وتحييده عن نظرية وحدة الساحات.