هذا ما تبلّغه بوريل من اللبنانيّين!
كشفت مصادر سياسية مواكبة للقاءات التي عقدها الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، أنه لقي تجاوباً لبنانياً لدعوته عدم الانزلاق نحو توسعة الحرب وضرورة استيعاب التصعيد الإسرائيلي لمنع تل أبيب من جر لبنان إلى مواجهة مفتوحة على امتداد الجبهة الشمالية في الجنوب يصعب السيطرة عليها.
وقالت هذه المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن بوريل لم يحمل معه تهديداً إسرائيلياً، وإنما لديه شعور بأن تل أبيب ماضية في تصعيدها لاستدراج لبنان، ما يعني أن الخطر لا يزال قائماً، وهذا يتطلب ضبط النفس وممارسة أعلى درجات المسؤولية لقطع الطريق على تفلت الوضع.
وأكدت المصادر السياسية أن بوريل استبق لقاءاته في بيروت، ولديه ضوء أخضر من الولايات المتحدة الأميركية، تزامن مع وجود وزير خارجيتها بلينكن في المنطقة، سعياً لتكرار الضغط على رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو وفريق حربه لمنعه من توسعة الحرب بإشعال الجبهة الشمالية، التي يمكن أن تتوسع لتشمل جبهات أخرى في المنطقة.
وتوقفت المصادر أمام لقاء بوريل برئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، وقالت إن تكليفه بهذه المهمة، كونه الأقدر على التواصل مع قيادة «حزب الله»، جاء بغطاء أميركي. ولفتت إلى أن رعد أكد لبوريل أن الحزب ليس في وارد توسعة الحرب، وسيضطر لاتباع سياسة الدفاع عن النفس في حال قررت إسرائيل الجنوح نحو إشعال الجبهة الشمالية، وقالت إنه كرر المواقف التي سبق لأمين عام الحزب، حسن نصر الله، أن أعلنها في أكثر من مناسبة منذ بدء الحرب في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وإن رعد تناغم بموقفه بلا تردد مع المواقف التي تبلغها بوريل من رئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب، وقائد الجيش العماد جوزيف عون، وإن كان اشترط وقف الحرب في غزة بوصفه ممرا إلزاميا للبحث بتطبيق القرار «1701».
ولم تجزم المصادر نفسها ما إذا كان «حزب الله» يربط التفاوض لتطبيق القرار بوقف العدوان على غزة، في محاولة يريد من خلالها أن يرفع السقوف السياسية لتحسين شروطه في المفاوضات، على الرغم من أنه من الأفضل للحزب أن يترك هذا الأمر للحكومة اللبنانية ويقف خلفها، كما فعل سابقاً في المفاوضات التي أدت إلى اتفاق حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وبذلك يكون قد جنب نفسه رد فعل المعارضة التي تتهمه بأنه يحتكر لنفسه القرار الخاص بالسلم والحرب.
وأكدت المصادر أن بوريل تبلغ رسمياً من لبنان أن إصرار إسرائيل على توسعة الحرب جنوباً لن يؤدي إلى تأمين عودة المستوطنين الذين نزحوا من المستوطنات الواقعة على امتداد الجبهة الشمالية إلى بيوتهم، لأن الحرب لن تكون بمثابة نزهة لها، وسيضطر الحزب للتعامل معها بالمثل، ما يؤدي إلى تفجير الوضع على نطاق واسع يتجاوز حدودها الشمالية مع لبنان.
في هذا السياق، فإن التوسع في الحديث عن استعصاء إسرائيل على القرارات الدولية وعدم الالتزام بها، أتاح للجانب اللبناني التوقف أمام مجموعة من المحطات التي تدعم موقفه بخروج إسرائيل عن إرادة المجتمع الدولي، ورفضها الانصياع لقرارات الأمم المتحدة، خصوصاً أنها هي من تحتل أراضي لبنانية وترفض الانسحاب منها.
وتطرق بوريل مع الذين التقاهم إلى اجتياح إسرائيل الثاني لبنان عام 1982، الذي وصلت فيه إلى بيروت، بذريعة القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية وضرب بنيتها العسكرية وإخراج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان إلى تونس، ولاحقاً في حرب تموز (يوليو) 2006 مع «حزب الله» الذي كان تأسس بصورة رسمية بين عامي 1983 و1984.
لكن إنهاء إسرائيل للوجود العسكري الفلسطيني في لبنان لم يكن حاجزاً أمام وقف اعتداءاتها عليه، وخرقها لأجوائه البرية والبحرية والجوية، ومنعها من الإبقاء على القضية الفلسطينية حية في الأراضي المحتلة، وهذا ما ينسحب أيضاً على «حركة حماس»، حتى مع افتراض أن إسرائيل ستتمكن من إنهاء وجودها العسكري في غزة، لأن الحرب الدائرة الآن أكسبتها تأييداً غير مسبوق امتد إلى الضفة الغربية وأراضي الـ1948، ولا يمكن شطبها من المعادلة في حال أدت الضغوط الدولية إلى إيجاد تسوية تقوم على حل الدولتين.
وأبدى بوريل تفهماً لوجهة نظر الذين التقاهم، وأولهم بري وميقاتي وهما اللذان أبلغاه بضرورة تزخيم التحرك الأوروبي لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية التي تشكل المفتاح لعودة الاستقرار إلى المنطقة وتعبيد الطريق أمام تطبيق القرار «1701» ليصبح سالكاً، علماً بأنه كان ليكون مجدياً أكثر لدول الاتحاد الأوروبي مجتمعة أن تتمايز عن موقف واشنطن في نظرتها إلى الحرب الدائرة في غزة.
ويبقى السؤال: لماذا لا يبادر «حزب الله» للانفتاح على شركائه في الوطن، وبينهم قوى المعارضة، لتبديد الاحتقان والتعبئة اللذين لا يخدمان توحيد الموقف اللبناني الرسمي في مفاوضاته لتطبيق القرار «1701»، بدلاً من إقحام البلد في سجالات لا جدوى منها ويغلب عليها تبادل الاتهامات؟!
المصدر: الشرق الأوسط