هل اقترب موعد تغيير سعر دولار المصارف؟
مع قرب إقرار مشروع موازنة 2024، وفي ظلّ عدم تجديد المصرف المركزي التعميم 151 الذي ينصّ على سحب الدولار من المصارف وفق دولار الـ15 الفاً، يترقّب المودع تعديل دولار السحب من المصارف ورفعه الى سعر الصرف المعتمد في السوق.
مجموعة عوامل تلاقت لتكوّن لدى المودع قناعة بأنّ سعر سحب الدولار من المصارف سيتغيّر ليتوحّد مع سعر الصرف المعتمد في السوق الموازي، أولها: توحيد دولار منصّة صيرفة مع سعر الدولار المعتمد في السوق السوداء وذلك برفعه من 85 الفاً الى 89500 ليرة.
ثانياً: انتهاء مفعول التعميم 151 من دون ان يُقدم المركزي حتى الساعة على تجديده، والتعميم يجيز للمصارف ان تبيع من مصرف لبنان العملات الاجنبية الناتجة من السحوبات او عمليات الصندوق نقداً التي يطلبها العميل من الحسابات او المستحقات العائدة له بالدولار او غيرها من العملات الاجنبية بالليرة اللبنانية. وقد حدّد التعميم سعر الدولار بـ 15 الفاً على أن يكون الحدّ الأقصى للسحب 1600 دولار للحساب الواحد شهرياً. وقد اعتمد يومها سعر الـ 15 الفاً لأنّ سعر الصرف الرسمي المعتمد في موازنة 2023 كان 15 الفاً.
ثالثاً: توجّه مشروع قانون موازنة 2024 الى احتساب الدولار وفق سعر المنصّة وسعر السوق السوداء اي 89500 ليرة. ومن هنا يراهن المودعون على ان ينسحب سعر الصرف الرسمي هذا العام ايضاً على سعر دولار السحوبات من المصارف كما حصل في موازنة 2023، خصوصاً انّ الموازنة لا بدّ ان تصدر خلال الشهر الجاري. لذا يترقّب المودعون ان يبدأ اعتباراً من الشهر المقبل السحب وفق الدولار الرسمي اي 89500 ليرة. فهل هذا التحليل واقعي؟ وهل صحيح انّ دولار المصارف سيتغيّر؟ وهل من تداعيات لهذا الاجراء؟ وهل مصرف لبنان مستعد لأي تغييرات او ذبذبات قد تشهدها سوق الصرف؟
في السياق، يؤكّد رئيس دائرة الأبحاث الاقتصادية والمالية في بنك بيبلوس الخبير المالي والاقتصادي نسيب غبريل لـ«الجمهورية»، انّه ما بين نهاية شهر تشرين الثاني الماضي ومطلع شهر كانون الاول، كان هناك اتجاه لدى مصرف لبنان لعدم تمديد العمل بالتعميم 151، والذي كان من المتوقع ان تنتهي مفاعيله نهاية العام 2023، لكن لم يحصل إجماع داخل المجلس المركزي على البديل او تحديد ما هو البديل. وكان يُتوقع ان يتمّ الاتفاق على بدء العمل بالبديل مطلع العام، لكن هذا الامر لم يحصل، بحيث لم يتمّ تمديد العمل بالتعميم 151 رسمياً، ولم يصدر البديل، وعليه تستمر المصارف راهناً بتطبيق التعميم 151 ولو لم يصدر تمديد رسمي من قِبل مصرف لبنان، وهي لا تزال تسمح بالسحب وفق دولار الـ 15 الفاً.
وعمّا اذا كان تغيير سعر الصرف في المصارف مرتبطاً بصدور الموازنة، قال غبريل: «مصرف لبنان في انتظار صدور الموازنة ليرى سعر الصرف الذي سيتمّ اعتماده، والموازنة ستصدر هذا الشهر، أكان من المجلس النيابي او بمرسوم حكومي». ولفت الى انّ المركزي اصدر مؤخّراً تعميمين مدّد فيهما العمل بتعاميم تتعلق بتخفيض الفائدة على ودائع المصارف في مصرف لبنان، وشهادات الايداع التي اصدرها المركزي والتي سيدفع نصفها بالليرة اللبنانية ونصفها الآخر بالدولار، واللافت انّه مدّد العمل بها لغاية إقرار الموازنة، بما يعني انّه ينتظر إقرار الموازنة.
ورداً على سؤال، قال غبريل: «انّ المودعين يربطون رفع سعر سحب دولار المصارف بإقرار الموازنة، ويترقبون هذه الخطوة لاستئناف سحب اموالهم من المصارف، لكن يغيب عن بالهم انّ هذه الخطوة اذا ما تمّت ستترافق مع بعض الإجراءات مثل خفض سقف السحوبات الذي هو راهناً 1600 دولار شهرياً». واضاف: «لقد نجح مصرف لبنان عام 2023 بسحب 22 تريليون ليرة نقدي من السوق، وهو يدفع راهناً معاشات القطاع العام بالدولار النقدي للحؤول دون المضاربة على الليرة في السوق الموازي، والطلب على الدولار».
وفي مقاربة بسيطة، ذكر غبريل انّه عندما كان دولار المصارف بـ 8000 ليرة كان سقف السحوبات 3000 دولار شهرياً، بعدما رفع سعر السحب الى 15 الفاً تراجع سقف السحوبات الى 1600 دولار بما يوازي نحو 24 مليون ليرة. وعليه، يتوقع في حال رفع سعر دولار المصارف الى 89500 ليرة ان ينخفض سقف السحوبات من 1600 دولار الى نحو 260 دولاراً شهرياً. صحيح انّ هذه التسعيرة عادلة للمودعين لكن السقوفات لن تتغيّر، لأنّ هدف مصرف لبنان المحافظة على الاستقرار، وذلك من خلال تجنّب ضخ اي كتلة نقدية اضافية في السوق كي لا يزيد الطلب على الدولار.
ورداً على سؤال، اوضح غبريل انّ مصرف لبنان يعمل منذ فترة على «كسب الوقت»، فقد سعى الى تثبيت سعر الصرف، خفض الكتلة النقدية بنسبة 27% خلال عام 2023، ضخ الدولارات عبر منصّة صيرفة، دفع رواتب ومعاشات القطاع العام بالدولار كي لا يزيد من الكتلة النقدية في السوق، توجّهنا نحو اقتصاد نقدي ومدولر… هدفت كل هذه الإجراءات الى الحفاظ على الاستقرار لحين بدء العملية الاصلاحية. كما طالب المجلس المركزي في تموز الماضي بإقرار قانون الكابيتال كونترول، قوانين الموازنات، اعادة توازن القانون المالي… كل ذلك من اجل مواكبة اطلاق منصّة مصرف لبنان بالتعاون مع «بلومبرغ»، والتي تهدف لأن يحدّد العرض والطلب سعر صرف الدولار بشفافية كخطوة اضافية نحو توحيد سعر الصرف. لكن كما نعلم، انّ هذا التوجّه يحتاج الى الاستقرار والثقة وخطوات اصلاحية، الاّ انّ حرب غزة أرجأت السير بكل هذه التدابير.
من جهة أخرى، انتقد غبريل عدم تحديد الموازنة لسعر الصرف الرسمي الذي سيُعتمد، ونسبة النمو المتوقعة في 2024 ونسبة التضخم وحجم الاقتصاد المتوقع… وقال: «هذه البنود تشكّل اطار الموازنة، بحيث لا يمكن الاّ أن تتضمّن هذه المؤشرات، والّا على اي اساس تمّ احتساب الإيرادات…».