في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، أطلق رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل جملة مواقف من الاستحقاق الرئاسي، بدّد من خلالها الرهانات على “تبدّل” في موقفه، أو “تموضع جديد” فرضته التطورات السياسية والأمنية، وأكّد أنّ موقفه من المرشحين “الثابتين” سليمان فرنجية وجوزيف عون لا يزال سلبيًا، رافضًا فكرة “تخييره” بينهما، كما منطق “المقايضة” السائد في بعض الأوساط السياسية.
وفي حين شدّد باسيل على ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس، استنادًا إلى أنّ الوضع القائم لا يمكن أن يستمرّ طويلاً، ومذكّرًا بأنّ رئيس الجمهورية هو المعنيّ بالتفاوض مع الوسيط الأميركي وغيره، كان لافتًا حديثه المتكرّر عن “التوافق”، فضلاً عن إعادة طرحه فكرة “الخيار الثالث” بشكل أو بآخر، بدعوته إلى التفاهم على شخصية “ذات رؤية إصلاحية”، وفق توصيفه، للوصول إلى قصر بعبدا إلى المرحلة المقبلة.
ولعلّ المفارقة المثيرة للانتباه في حديث باسيل أنّه وضع نفسه مرّة أخرى، في “المنطقة الوسط”، موجّهًا رسائل إلى “الثنائي” والمعارضة دفعة واحدة، مفادها أن الخيارات الحالية التي يتمسّكون بها لا توصل إلى رئيس، “وفي حال وصل سيفشل”، فهل يسعى باسيل لاستعادة دور اعتقد كثيرون أنّه فقده، بعد “سجالات” استحقاق قيادة الجيش؟ وهل ينجح في فرض “الخيار الثالث” الذي يريده في المدى القريب؟!
“رسائل” للمعسكرين المضادين
من يستمع إلى باسيل في حديثه التلفزيوني الأخير يدرك أنّ الرجل الذي يتمسّك بما يعتقد أنّه حقه بـ”الفيتو” في وجه ترشيح كلّ من قائد الجيش العماد جوزيف عون ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، لا يزال يتمسّك أيضًا باعتبار نفسه “الناخب الأكبر” في ملفّ رئاسة الجمهورية، طالما أنّه “متنازل طوعًا” عن الترشح على المستوى الشخصي، وهو يسعى ربما ليكون “بيضة القبان” بشكل أو بآخر في هذا الاستحقاق.
لعلّ اللافت في هذا الإطار أنّ باسيل مرّر أكثر من “رسالة” للمعسكرين، بما يفتح الباب أمام إعادة فتح باب التواصل، فهو لم يدفن “التقاطع” مع قوى المعارضة مثلاً، رغم كلّ ما حُكي عن انتهاء مفاعيله بعد استحقاق التمديد لقيادة الجيش، وأوحى بأنّه لا يزال جزءًا من هذا “التقاطع”، طالما أنه يرفض ترشيح رئيس تيار “المردة”، وهو ما جمعه أصلاً مع قوى المعارضة، بعيدًا عن كلّ الأسباب الموجبة التي تُستحضَر هنا وهناك.
وإذا كان حديث باسيل عن رفض “المقايضة” الذي تقاطع من خلاله مع خطاب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، شكّل رسالة إيجابية تجاه قوى المعارضة، فإنّه فعل الأمر نفسه مع معسكر “حزب الله”، سواء بانتقاده حصر تقاطع المعارضة التسميات بشخص واحد، في إشارة إلى الوزير السابق جهاد أزعور، أو بحديثه عن “إيجابية” رصدها عند رئيس مجلس النواب نبيه بري، مراهنًا بناء عليها على حصول “تلاقٍ على الحلّ”.
ما يريده باسيل
في خلاصة الرسائل “المتبادلة” التي حاول باسيل توجيهها إلى المعسكرين، والرسالة “الجامعة” تحت شعار أنّ الخيارات الحالية لا توصل إلى رئيس، وما تنطوي عليه من دعوة متجدّدة للتفاهم على “خيار ثالث” بعيدًا عن فرنجية وعون، يقول العارفون إنّ ما يريده باسيل عمليًا ليس “فرض” الخيار الثالث، بقدر ما هو “فرض” الدور، الذي شعر أنّه خسره في المرحلة الماضية، ولا سيما بعدما كان التمديد لقائد الجيش بمثابة “خسارة قاسية” له.
وينسجم ذلك بصورة أو بأخرى، وفقًا للعارفين، مع حرص باسيل خلال مقابلته الأخيرة، على التأكيد على دوره “المُبادِر” في ملف رئاسة الجمهورية، عبر الحديث عن “حركة” يقوم بها، لم تتوقف، سواء في العلن أو في الغرف المغلقة، ولو أنّ ثمار هذه الحركة تبدو غائبة عن المشهد السياسي منذ فترة، الذي تبدو عقاربه مرهونة على الحراك الإقليمي والدولي، والزيارات المنتظرة لموفدي “الخماسية” وممثليها، والتي لم تنضج بعد.
هكذا، يقول العارفون إنّ ما يريده باسيل هو ببساطة القول إنّه هنا، وإنّه يعمل لانتخاب رئيس، فهو تخلّى عن حقّه بالترشح الشخصي، ويسعى للوصول مع الآخرين إلى تفاهم، بل يسعى لتسهيل هذا التوافق، وأنه يقفز فوق الخلافات مع القوى الأخرى التي ظهرت بوضوح في الآونة الأخيرة، ليقف على “مسافة واحدة”، وإن كان البعض يعتقد أنّ مثل هذه المسافة لا تهدف سوى للبحث عن “المصلحة” لينقلب متى وجدها على الطرف الآخر.
يتقاطع باسيل مع قوى المعارضة على رفض ترشيح سليمان فرنجية، وعلى رفض المقايضة بين الرئاسة والأمن، كما يتقاطع معها أيضًا على رفض “رهن” استحقاق الرئاسة لنتائج الحرب على غزة، ويتقاطع في المقابل مع معسكر “حزب الله” على تشجيع الحوار والتوافق. هو باختصار “تقاطع على القطعة”، يقترب في الجوهر من ذلك التحالف الانتخابي الذي كرّسه “على القطعة”، ليبقى السؤال: هل يحقّق الهدف؟!