هذا ما يدعونا للخوف من المستقبل!

في خضم كل التطورات والأحداث المتسارعة والخطيرة في المنطقة، لا تزال الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها الدستورية والعامة ومرافقها يسودها الإرباك والإرتجال وفي معظم الأحيان اللامبالاة.
هذا الأداء السلبي ليس جديداً على قطاعات الدولة، فمن الأسباب الرئيسية للأزمة المالية والإقتصادية كانت أيضاً الشعبوية والمزايدات غير العلمية والمنطقية بين أهل السلطة، حيث كانت النتائج دائماً تأتي سلبية على الإقتصاد بكل مؤشراته.
لقد استمروا بهذا الأداء، وكانوا ينفقون الأموال من جيوب الناس، من الودائع، وعلى حساب القطاع الخاص المنتج، الى حين السقوط وإنكشاف الحقيقة وحصول الفضيحة.
ما يدعوا للقلق لا بل للخوف من المستقبل في لبنان، إن القوى السياسية الممسكة بكل مفاصل قطاعات الدولة ومؤسساتها لم تتَعظ من تجارب الماضي المريرة، لا بل تكرر نفسها بأدائها السلبي حتى في عزّ الأزمة المالية والإقتصادية ورغم المخاطر التي تحيط بلبنان من كل حدب وصوب.
للأسف، المعطيات الإقتصادية والحقائق المالية والمخاطر المحيطة ليس لها قيمة عند هؤلاء، حيث أثبتت ذلك المواد الضريبية الحارقة في مشروع موازنة العام 2024، وكذلك بالأمس قرار الضمان بإحالة المؤسسات التي تقدم تصاريح عن أجور العالمين لديها أقل من 20 مليون ليرة شهرياً على التفتيش والمراقبة.
مما لا شك فيه، ان سعي الضمان لتحسين ايراداته هو هدف مهم جداً لتحسين الخدمات الصحية التي يوفرها للمضمونين، لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال الدفع بهذا الإتجاه من دون التدقيق بإمكانية تحمل المؤسسات هذه الأعباء الإضافية.
هذا الأمر مثله مثل المطالب التي سمعناها بزيادة الحد الأدنى للأجور الى 650 دولار وذلك لتلبية الإحتياجات المعيشية للعمال.
نعم انه هدف نبيل، لكن هل يمكن تحقيقه في ظل هذه الظروف والضائقة الإقتصادية.
إن الحكمة والمسؤولية الوطنية تقتضي على من هم في سدة الحكم وفي ظل كل هذه الظروف المأساوية التي يعاني منها لبنان مالياً وإقتصادياً وإجتماعياً ومعيشياً، أن لا يطلقوا أي أفكار لها بعد اجتماعي إيجابي من دون أن يكون هناك أي قدرة على تحقيقها، لأن ذلك هو بمثابة تحريض مكشوف وموصوف.
الحكمة هو أن يقوم المعنيون بإعداد دراسات إقتصادية وعلمية حول مدى قدرة الإقتصاد على التحمل، وإقرار على أساسها أي إجراء لتحسين الأوضاع الإجتماعية.
أم غير ذلك فكله تخبيص بتخبيص وإرتجال وشعبوية وتحريض، دفع كل اللبنانيين ثمنها غالياً، ولا بد من العودة الى العقل والحكمة والسلوك العلمي الذي يستند الى أرقام ومعطيات حقيقية يبنى عليها أي قرار سيتم إتخاذه.