من “يخطف” الرئاسة في لبنان؟
يصعب على أعضاء “اللجنة الخماسية”، وبالأخص الولايات المتحدة الأميركية، تقبّل الواقع الذي يفرض نفسه بنفسه إذا كان المقصود إخراج الأزمة الرئاسية في لبنان من عنق الزجاجة الطويل. والمقصود بهذا الواقع، الذي لا مفرّ من الاعتراف به في نهاية الأمر، هو أن لإيران باعًا طويلة إن من حيث إبقاء الوضع اللبناني كما هو الآن، أو دفعه نحو نهايات سعيدة، وذلك استنادًا إلى “المونة” الكبيرة، التي لطهران على “حزب الله”. ولم يعد سرًّا أن يُقال بأن عقدة الرئاسة لن تتحّلحل إن لم تحصل “حارة حريك” على ما يضمن لها وصول رئيس للجمهورية اللبنانية تطمئن إلى أنه لن يطعن “المقاومة” من الخلف، بل أكثر من ذلك، أي بمعنى أن أي رئيس محتمل من بين المرشحين لن يصل إلى بعبدا إن لم يمرّ بالضاحية.
فهذا الواقع بما فيه من احباطات يعرفه أعضاء “اللجنة الخماسية”، ويعرفون أيضًا أن مفتاح الباب الرئاسي موجود في الضاحية الجنوبية، ويعرفون أكثر ما لطهران من قوة تأثير على قرار “حزب الله”، الذي يتهمه أخصامه السياسيون بأنه “يخطف” الاستحقاق الرئاسي كما “خطفه” في العام 2014 ولم يفرج عنه سوى عندما فُرض على الآخرين، القبول بالسير بالعماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية، وما تلى هذا القبول من مفاعيل لا يزال اللبنانيون، وبعد سنة وأربعة أشهر من انتهاء ولايته، يتطلعون خلفهم من دون تمكّنهم من رؤية أفق المستقبل أو أي بصيص نور في نهاية هذا النفق الطويل والمظلم.
فاجتماع “الخماسية” المرتقب في الرياض، مع ما للعاصمة السعودية من رمزية استشرافية، من شأنه أن يعطي انطباعًا بأن ثمة حلحلة وشيكة قد تنتج عنه، وذلك في ضوء ما يمكن أن يخلص إليه السفراء الخمسة من نتائج جولتهم السياسية على مختلف الأفرقاء اللبنانيين، وقد بدأوها من “عين التينة”. وما يقود إلى الاستنتاج بإمكانية الوصول إلى قرار “خماسي” رئاسي حاسم هو الاعتقاد أن الاتصالات بين الرياض وطهران لم تتوقّف، وإن غير معلنة، وبالأخص بالنسبة إلى إدراج الأزمة الرئاسية اللبنانية من ضمن الأولويات المشتركة السعودية – الإيرانية.
فإذا كان متعّذرًا تحويل “الخماسية” إلى “سداسية”، أي بضم طهران إليها، وذلك لأسباب كثيرة، ومن بينها بالطبع ما بينها وبين واشنطن من اختلاف عميق في توحيد الرؤى في ما خصّ الملفات الساخنة في المنطقة بمعزل عن المفاوضات بينهما الجارية من تحت الطاولة على الملف النووي، الذي سيكون “سلاحًا قويًا في يد منافس الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن في الانتخابات الأميركية في الخريف المقبل، فإن الواقع اللبناني يفرض على “الخماسية” أن تتحوّل إلى “سداسية” أقّله نظريًا، أو من خلال المشاورات، التي يمكن أن تقودها قطر أكثر من غيرها، في محاولة لإقناع طهران بممارسة قليل من الضغط الإيجابي على “حزب الله” لكي يقبل بالتجاوب مع الخيار الرئاسي “الثالث”، أي بتخليه عن مرشحه الوزير السابق سليمان فرنجية مقابل تخلّي “المعارضة” عن المرشح الوزير السابق جهاد ازعور.
ومن دون هذين التخليين فإن أي جهد ستبذله “اللجنة الخماسية” لن يقود إلى أي انفراج على مستوى الافراج عن الرئاسة “المخطوفة”، بحسب ما يعتقده أعضاؤها، الذين أصبحوا مقتنعين بما لطهران من تأثير على قرار “حارة حريك”، إذ من دون هذا التأثير لن تنجح “الجهود الخماسية”، وسيبقى الوضع الرئاسي مرهونًا بما يجري في غزة أو في غيرها.
ولكن ما الذي يمكن أن تأخذه طهران بشمالها بعد أن تُعطي بيمينها، هذا إذا سلّمنا جدلًا بأنها في وارد أن تعطي أي شيء مجانًا إن لم تضمن لها مقعدًا متقدمًا في أي معادلة إقليمية، وبالأخصّ بعد أن تنقشع غبار المعركة في كل من غزة وجنوب لبنان، حيث كان لطهران استثمارات ميدانية كثيرة؟
الثمن السياسي الذي تسعى طهران للحصول عليه، وهي التي تتمتع بالنفس التفاوضي الطويل، “سيُقرّش” على الأرجح على مستوى ما يمكن أن تحصل عليه من مكاسب في مفاوضاتها النووية مع واشنطن. ومن دون هذه الضمانات فإن الإيرانيين لن يقدّموا أي تنازل، حتى ولو كان صغيرًا، لا في غزة ولا في لبنان، وقد يبقى الوضع الجنوبي على حاله ما دامت الحمم تتساقط على رؤوس الغزاويين، وأن الترسيم البرّي لن يكون كالترسيم البحري.