2016 كان العام الأخير الذي أجريت فيه انتخابات بلدية واختيارية لولاية كاملة من ست سنوات. كان يُفترض ان تنتهي تلك الولاية في أيار 2022… ومذذاك، بدأت تكرّ سبحة التمديد. التمديد الأول كان لسنة كاملة وانتهت مفاعيله “القانونية” في أيار 2023… وبعدها، أُقر التمديد الثاني لسنة جديدة كاملة، يفترض ان تنتهي في أيار 2024…
بهذا الاستسهال “القانوني” مرّ التمديدان، في بلد بات يعيش الفراغ وكأنه حالة طبيعية، في المرافق والإدارات العامة، في السلطات القضائية والأمنية، لولا “الترقيعات” التي تهبط في اللحظة الأخيرة، من دون ان نتحدث عن الفراغ الرئاسي الفاضح منذ أكثر من 15 شهراً، ولا من عجلة أو تعجيل لملئه … بل تعايش مع واقعه لئلا نقول “استخفافا به”!
قبل أيام، طالعنا وزير الداخلية والبلديات بسام #مولوي بالقول: “انا مجبر على اجراء الانتخابات البلدية في موعدها، إلا اذا فعل مجلس النواب عكس ذلك”.
مجددا، يبرّىء الوزير ذمته من الاستحقاقات الانتخابية، ويرمي الكرة في الملعب الآخر… فهو قبل التمديدين، كان دائما يؤكد ان “وزارة الداخلية حاضرة لاجراء الانتخابات البلدية، وهي تستكمل كل الاستعدادات”.
ثم سرعان ما يأتي التمديد في مجلس الوزراء، ليلاقيه مجلس النواب لاحقا… يتكلم الوزير، وكأن لا اتفاق مسبقا أو “اتفاقا بالتراضي” يكون قد نضج قبل انتاج قانون التمديد “الرسمي”!
اليوم، هل من عوامل تساعد على اجراء الانتخابات البلدية في موعدها، وبالعكس، أي عوامل تؤخّر اجراءها؟
أولا، ومن حيث المبدأ. وفق القانون، الولاية الحالية للمجالس البلدية تنتهي قانونا في أيار 2024. وما لم يحضّر مجلس النواب نفسه لقانون تمديد ثالث، فان المجالس البلدية والاختيارية تصبح منحلّة بحكم الواقع، إذ لا خيار ثالثا: امّا تمديد ثالث وامّا اجراء الانتخابات!
ثانيا، حين تدق اللحظة الحاسمة، تبدأ الأضواء تُسلط على اقتراحات ومشاريع تمديد، تحت حجج مختلفة، من هنا وهناك. ففي المرة الأخيرة، اقترح نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب عبر قانون قدّمه، التمديد للبلديات 4 أشهر، فيما كانت تتحضر، في الآونة نفسها، اقتراحات بالجملة، حتى رسا التمديد يومها على سنة كاملة. كمن يبلع “السمّ” تدريجا!
ثالثا، وهي النقطة الأهم، ان مشروع الموازنة، كما ورد من الحكومة الى مجلس النواب، لم يلحظ أي شق تمويلي لاجراء الانتخابات البلدية، وهذه النقطة تعكس، وحدها، عدم جدية السلطة في اجراء الانتخابات البلدية في موعدها، اقله حتى الساعة! وإلا لماذا لم يبادر وزير الداخلية الى إدراج هذا البند في مشروع الموازنة؟! مع الإشارة الى ان لجنة المال والموازنة، عادت لاحقا وأضافت هذه المسألة الى بنود مشروع الموازنة.
لا قرار سياسيا
تعلق المديرة التنفيذية لـ”الجمعية اللبنانية من اجل ديموقراطية الانتخابات” ديانا البابا انه “في التمديد الأول اعطونا حجة غير مبررة كانت في انعدام امكانية اجراء الانتخابات البلدية بالتزامن مع الانتخابات النيابية. وهذه حجة ساقطة. وفي المرة الثانية تحججوا بالعامل المالي والامكانات، وكانت حجة غير صحيحة”.
وبين السبب التقني وعدم توافر الأموال، “بصم” النواب مرتين على التمديد.
في التمديد الأول، ورد في نص القانون الذي اقره مجلس النواب في 30 آذار 2022، ما حرفيته: “تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية لمدة عام، وتأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية، بسبب عدم الجهوزية المادية والبشرية لمدة عام ايضا”.
هكذا لم تلتزم الحكومة ومجلس النواب معا عدم تأجيل الانتخابات البلدية، بل تجاوزت الحكومة بيانها الوزاري ومدّدت للبلديات، ومَن فعلها في المرة الأولى فعلها ثانية، وربما لن يكون امامه أي عائق ليفعلها ثالثا.
تقول البابا لـ”النهار”: “نحن، منذ اللحظة الأولى، عارضنا التمديد الأول، لأننا لا نزال مذذاك نلمس عدم جدية السلطة تجاه اجراء الانتخابات البلدية. باختصار لا قرار سياسيا عندها”.
في رأي البابا، هذا العامل هو الأبرز الذي يؤخر اجراء الانتخابات في موعدها. وتتدارك: “نعيش، وياللأسف، استخفافا باحترام المهل، إن بالنسبة للانتخابات النيابية او البلدية. وحدِّث ولا حرج عن الانتخابات الرئاسية، وهذا اكبر ضرب لمبدأ الديموقراطية واحترام تداول السلطات”.
أما ما يؤشر الى خطورة الواقع، فليست فقط مسألة البلديات المنحلّة، انما البلديات المتعثرة، اذ ان الأخيرة لا ينطبق عليها واقع البلديات المنحلة ولا طبعا صفة البلدية الكاملة، بمعنى انها ما بين الحالتين، لا يمكن ان تكمل نشاطها كالمعتاد خلال التمديد للمجالس البلدية، ولا يمكن ان تنتقل صلاحياتها الى القائمقام، لكونها قانونا غير منحلة. هكذا، يسيطر الجمود واللانشاط على أدائها، مما ينعكس سلبا على مستوى البلدة كلها وعلى أهلها.
وتشير البابا الى ان “هذا الواقع هو الضاغط. نحن كجمعية ليس امامنا سوى الإصرار على اجراء الانتخابات اليوم قبل الغد. لا يجوز استسهال الامر على هذا النحو”.
وتعتبر ان “من العوامل المساعدة ضرورة خلق وعي اكبر عند الرأي العام للسير باتجاه الانتخابات البلدية سريعا. حتى رؤساء البلديات انفسهم ينبغي ان يساعدونا في هذا الاتجاه. وحتى الان، لم نلمس جدية كبيرة من مختلف الكتل النيابية للضغط معنا”.
دعوة الهيئات
5 نيسان المقبل، هي المهلة الأخيرة امام وزارة الداخلية لدعوة الهيئات الناخبة.
وتشدد البابا على ان “الواقع البلدي لا يمكن الاستمرار به هكذا، وسط عدد كبير من البلديات غير الفاعلة او المشلولة. حتى ان عددا منها لم يشهد انتخابات عام 2016، ومعنى ذلك، انها لا تزال منذ أعوام غائبة عن الاستحقاق الانتخابي الديموقراطي. وهذه اكبر طعنة للديموقراطية”.
في قانون البلديات نفسه، تنص المادة 23 منه على ان “المجلس البلدي يُعتبر منحلاً حكماً إذا فقد نصف أعضائه على الأقل أو حُكم بإبطال انتخابه، وعلى وزير الداخلية أن يعلن الحلّ بقرار يصدر عنه خلال مدّة أسبوع على الأكثر من تاريخ تبليغ وزارة الداخلية بذلك، وإلا اعتُبر سكوته بمثابة قرار إعلان ضمنيّ بالحلّ”.
ولهذا السبب، حددت المادة 24 من القانون، الآلية التي يفترض ان تتبع بعد حلّ المجلس البلدي، وهي “انتخاب مجلس بلدي جديد في مهلة شهرين من تاريخ مرسوم الحلّ، على أن يتولّى أعمال المجلس البلدي حتى انتخاب المجلس الجديد، القائمقام أو رئيس القسم الأصيل في القضاء، والمحافظ أو أمين السرّ العام في مركز المحافظة”.
في الأساس، وقانونا، كان يفترض في هذه البلديات المنحلة ان تجري الانتخابات خلال شهرين من تاريخ حلّها، لكن يبدو ان تعبير “المنحل” سيبقى بحكم الدائم في لبنان.
ولعل العامل الأساسي المساعد للبلديات يكون بتعزيز صلاحياتها المالية وتطبيق اللامركزية الإدارية، لان الازمات الأخيرة المتتالية كانت اكبر دليل على ان لا حلّ إلا باللامركزية … وهذه ليست “بعبعا” انما هي بند من بنود الطائف!