احتلّ لبنان مؤخرا المرتبة الـ21 عالمياً من حيث احتياطي الذهب بين 96 دولة إذ يملك نحو 286.8 طناً من المعدن الأصفر. ووفق أرقام مجلس الذهب العالمي الصادرة في كانون الأول 2023 احتلّ لبنان المرتبة الثامنة بين 65 دولة غير منتمية الى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والمركز الثاني بعد السعودية بين 16 دولة عربية شملها المسح.
وبلغت قيمة احتياطي الذهب في لبنان 18.8 مليار دولار في نهاية أيلول 2023 و20.6 مليار دولار في نهاية تشرين الثاني 2023.
و في 26 كانون الثاني الماضي بلغت قيمة احتياطي الذهب في لبنان 20.4 مليار دولار، بحسب سعر 2,016.6 دولارات للأونصة.
كما شكّل احتياطي الذهب 56.5% من إجمالي الأصول الرسمية بالعملات الأجنبية في نهاية أيلول 2023، ممّا يضع لبنان في المركز الـ12 عالمياً، وفي المرتبة الخامسة بين الدول غير المنتمية الى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وفي المركز الأول بين الدول العربية.
ومع استمرار الأزمة الإقتصادية منذ أكثر من 4 سنوات تنقسم الآراء حول احتياطي الذهب، فهناك من يدعو لضرورة استخدامه الأمر الذي قد يُخفف من ديون لبنان ويُحدث انفراجات اقتصادية، في حين يُحذر آخرون من المسّ به باعتباره أثمن ما يملكه لبنان رسميا.
الذهب “قرش لبنان الأبيض”؟
خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي اعتبر في حديث لـ”لبنان 24″ ان “احتياطي الذهب يجب ان يكون “قرش لبنان الأبيض في يومه الأسود” وبما اننا نعيش أياما اقتصادية صعبة اليوم هو الوقت المناسب للتصرّف بجزء منه”.
وأوضح ان “إيرادات الذهب تُعد إيرادات غير اعتيادية وعند صدور أي قانون يُجيز التصرف بجزء من هذا الاحتياطي يجب ان يصدر بالموازاة قانون آخر يشرح كيفية التصرف به أي ان يكون شبيها بالقانون الذي صدر عام 2018 المُتعلق بإنشاء صندوق سيادي للتصرف بايرادات النفط والغاز شرط ألا يشبه أي من الصناديق الموجودة في لبنان والتي تم استغلالها لهدر المال العام “.
وتابع فحيلي: “الذهب يُشكّل إيرادات مضمونة توفر علينا الكثير من خدمة الدين لأن هذه الإيرادات ليست ديونا ويُمكن استخدامها على ان تكون ضمانة لأي محاولة من قبل السلطة لإعادة هيكلة الدين العام وجدولته .”
ولفت إلى ان “الدين بالعملة الأجنبية أصبح تقريبا يوازي اليوم جزءا قليلا من حمولتنا من الذهب لأنه بعد التعثر غير المنظم تدنت قيمة سندات اليوروبوند السوقية كثيرا فإمكانية إعادة جدولتها من خلال الاعتماد على ما توفر من مخزون الذهب في لبنان وارد، على الرغم من ان كثيرين قد لا يوافقونني الرأي”.
وشدد على انه “من الضروري إيجاد طريقة نستثمر فيها هذا المخزون لإنقاذ لبنان مع وجود شرط أساسي لاستخدام جزء من هذا الاحتياطي هو هيكلة المالية العامة وإنتاج موازنة متوازنة لجهة الإيرادات والنفقات، إضافة إلى خطة استراتيجية لإنقاذ البلد وإنعاشه لوضعه مُجدداً على السكة الصحيحة ولتحقيق نمو اقتصادي”.
واعتبر فحيلي ان “أهمية استخدام او التصرف بجزء من احتياطي الذهب بالتوازي مع إصلاحات مالية يفتح “أبواب الجنة” للبنان، حيث يصبح هناك إعادة نظر بالتصنيف الائتماني له ونحن بحاجة لذلك كي يتنفس القطاع المالي ولكي تتحسن العلاقة بين القطاع المصرفي المُقيم وغير المُقيم عبر المصارف المُراسلة، فكلفة المصارف التي تقدمها المصارف خارج لبنان ضُربت بسبب التعثر غير المنظم وعدم الاكتراث بإعادة هيكلة وجدولة الدين”.
وشدد على انه “ضد استخدام هذا الاحتياطي لتمويل مصاريف تشغيلية للدولة بل ان يُستثمر من خلال صناديق سيادية لدعم القطاعات المُنتجة في لبنان مثل الصناعة الزراعة والمصارف لأن مسؤولية الدولة إعادة رسملة مصرف لبنان”.
وختم بالقول: “برأيي اليوم أصبح مُناسبا لاستخدام هذا “القرش الأبيض” على ان تأخذ الطبقة السياسية هذا الموضوع بمسؤولية أكبر مما رأيناه في السنوات الماضية، مع الأخذ بعين الاعتبار التقلبات التي شهدها سوق الذهب في السنوات الأخيرة”.
ماذا يقول القانون حول التصرّف باحتياطي الذهب؟
يخضع احتياطي ذهب لبنان لقانون النقد والتسليف، الذي يمنع المس به من دون قرار صادر عن مجلس النواب .
في هذا الإطار، يقول المحامي الدكتور بول مرقص رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ لـ “
لبنان 24″ إن “الذهب في لبنان محمي بموجب قانون سنّ في أواسط ثمانينات القرن الماضي في عهد الرئيس أمين الجميل لمنع التصرف به وبالتالي لا يمكن القيام ذلك الا بمقتضى قانون”.
ولفت مرقص إلى انه “لا يوصي شخصياً بسن أي قانون لاجازة التصرف باحتياطي الذهب في ظل عدم وجود حكمية صالحة في لبنان وفي ظل عدم وجود خطة اقتصادية شاملة وسليمة”.
وشدد على ان “القرار بالتصرف باحتياطي الذهب هو قرار سيادي داخلي”، ولفت إلى انه “لا يُحبذ رهن الذهب او بيعه”. وأعلن مرقص انه “لا يرى أي صعوبة في استرجاعه من الولايات المتحدة في حال طلب لبنان ذلك”.
علما ان لبنان يحتفظ بقسم من احتياطي الذهب في قلعة “فورت نوكس” الخاضعة لحراسة أميركية، فيما أبقى على قسم آخر، في خزائن المصرف المركزي في بيروت.
وبدأ امتلاك لبنان لاحتياطي الذهب بعد استقلاله عن الانتداب الفرنسي، إذ باشر منذ العام 1948 باقتناء أول كمية من الذهب على إثر انضمامه إلى صندوق النقد الدولي في العام 1946 بعد الاعتراف بالليرة اللبنانية كعملة مستقلة.
واستمرت الحكومات المُتعاقبة ما بين الاستقلال وأوائل سبعينيات القرن الماضي في شراء الذهب لتغذية احتياطي مصرف لبنان المركزي، وذلك من فائض الموازنة والضرائب التي تأخذها من المواطنين.
لطالما اعتبر الذهب الملاذ الاستثماري الأكثر أمنا ليس فقط للأفراد بل أيضا للدول، وفي لبنان هو نقطة القوة الوحيدة التي يملكها حاليا في أزمته وهو يُعتبر من المحظورات ولم يمسّ بأي جزء منه خلال الأزمات كافة التي مرّ بها على مدى السنوات السابقة، فهل يتمكّن لبنان من حلّ أزمته المالية والاقتصادية من دون اللجوء إلى معدنه الأصفر؟