المصارف ملزمة بردّ أموال برامج الادّخار بعملتها: هل تعيدها 150$ شهريًا؟
خلافًا لأيّ منطق وقانون، تضع المصارف الودائع وبرامج الادّخار في سلّة واحدة، وعلى رغم أنّ حسابات برامج التوفير والتقاعد والتعليم الجامعي وغيرها من بوالص التأمين، لطالما كانت مدولرة، عمدت المصارف إلى تحويلها إلى لولار، وفرضت على المؤمّنين دفع أقساطهم الشهرية بالفريش دولار تحت طائلة تصفية حساباتهم. هذا الواقع جعل مدّخرات البرامج الاجتماعيّة محتجزة في المصارف ومجهولة المصير. عددٌ من أصحاب هذه البرامج من العاملين في القطاع العام، وبفعل استحالة استكمال دفع الأقساط الشهريّة بالدولار، كون القسط الواحد بات يوازي راتبًا كاملًا، طلب من مصرفه إيقاف البوليصة، واسترداد ما يستحقّ له من أموال، فكان جواب المصارف أنّها تسدّد مبلغًا شهريًا متواضعًا وباللولار وفق سعر 3900 في البداية، وهكذا قضت المصارف على تلك المدّخرات، التي روّجت لها طيلة سنوات الخديعة، على أنّها القرش الأبيض لليوم الأسود، وأنجزت الكثير من الأساليب الدعائيّة لأجل توريط عملائها بهذه البوالص، ونجحت في ذلك، حيث باعت لهم البرامج العائدة لشركات التأمين المتعاملة معها، أو التابعة لها في معظم الأحيان.
التعميم 166 لم ينطبق على برامج التأمين!
مع صدور التعميم 166 أخيرًا، استبشر أصحاب هذه الحسابات خيرًا، وفي اعتقادهم أنّه بات باستطاعتهم استرداد أموال برامج الادّخار، فريش دولار بقيمة 150 دولارًا شهريًا، إسوة بالودائع. لكن هذا الأمل تبدّد، كون التعميم 166 لا ينطبق على حسابات الادّخار، وفق الخبير المالي والاقتصادي الدكتور بلال علامة في حديثه لـ “لبنان 24″، لأنّ التعميم المذكور حدّد الحسابات المستفيدة من أحكامه، وهي الودائع لأّجَل، تحت عنوان “اجراءات استثنائيّة لتسديد الودائع المكوّنة بعد تاريخ ٣١/ ١٠/ ٢٠١٩ بالعملات الاجنبية” بالتالي لا يسري التعميم على بوالص التأمين.
برامج الادّخار مسؤولية من؟
الإشكاليّة المتعلقة بقطاع التأمين وبرامج الادّخار في المصارف، لا زالت عالقة منذ النكبة الماليّة للسنة الخامسة على التوالي، ولم تعمد أيّ جهة إلى تنظيمها. مصرف لبنان لم يأت على ذكر حسابات بوالص التأمين والبرامج الاجتماعيّة، في أيّ من تعاميمه السابقة، منذ الأزمة المالية، بل عمل على تنظيم العلاقة بين المصارف والمودع باجراءات موقّتة، بغياب الكابيتال كونترول، انطلاقًا من دوره المحدّد في قانون النقد والتسليف “كون المصارف تخضع لهيئة الرقابة على المصارف في مصرف لبنان، في حين أنّ شركات التأمين خاضعة لوزارة الاقتصاد وتحديدًا إلى لجنة الرقابة على هيئات الضمان” يوضح علامة “وبفعل التداخل بين المصارف وشركات التأمين ضاعت الطاسة” فعمدت المصارف إلى الاستفراد بالمؤمّنين، وتحويل أموالهم المدّخرة في هذه البرامج إلى لولار، تمهيدًا لتصفيتها.
شركات التأمين والمصارف ملزمة بإعادة أموال التأمين بالدولار
“كل ما يفعلونه مخالف للقانون، الذي ينصّ على إلزاميّة إعادة أموال بوالص التأمين بعملة الإيداع، كونها خاضعة لقانون حماية المستهلك، الذي ينصّ على أنّ عملة حساب التأمين مُلزِمة وفق ما اتُفق عليها في العقد، وفي حال استوفتها شركة التأمين أو المصرف بالدولار يجب إعادتها بعملة الإيداع أي الدولار. أمّا ما يجري حاليًا لجهة تسديدها باللولار، فهو إجراء غير قانوني على الإطلاق، والأعذار حول انهيار سعر الصرف لا تستقيم هنا، خصوصًا أنّ معاملات وبرامج شركات التأمين وإعادة التأمين لا تحصل إلّا بعملة أجنبية، والتحويل إلى الخارج لا يتم سوى بعملة أجنبية، وطيلة الأزمة ظلت هذه الشركات تحوّل الأموال إلى أصولها في الخارج بالدولار، واستثمرت أموال حاملي وثائق التأمين في عمليات الاستحواذ على الأسهم في الصناديق المشتركة وصناديق التحوّط وصناديق الأسهم الخاصة العاملة في الخارج، وحقّقت أرباحًا بالدولارات الجديدة، ولا زالت. في المقابل امتنعت عن تسوية مستحقّاتها بنفس العملة المدفوعة كأقساط، أي الدولار الفرش” يوضح علامة. لجنة الرقابة على هيئات الضمان في وزارة الاقتصاد، كانت قد طلبت من المؤمّنين الراغبين بتقديم شكاوى أو الحصول على أيّ معلومات متعلّقة بقطاع التأمين الخاص، الاتصال بأرقام لجنة مراقبة هيئات الضمان – مكتب الشكاوى. “لكن فعليّا لم تُلزم أيّ جهة رقابيّة أو قضائيّة، المصارف وشركات التأمين بإعادة الأموال بالدولار، وفق ما ينصّ عليه القانون، وبقي أصحاب هذه البرامج ضحيّة غياب الدور الرقابي والقضائي، والتملّص من المسؤولية وتقاذفها بين المصارف وشركات التأمين، علمًا أنّ الجهتين مسؤولتان عن مصير الأموال التي ادخرها اللبناني، على مدى سنوات طويلة، لتأمين حياة لائقة بعد سن التقاعد، أو بقصد تعليم أولاده”.
لا يمكن وضع حدّ لتمادي المصارف وشركات التأمين، وتجاوزها النصوص القانونية في التعامل مع برامج الإدّخار، من دون أن تمارس الأجهزة الرقابيّة والقضائيّة المعنيّة دورها الحاسم في تطبيق القانون، وإيقاف عملية نهب حقوق المدّخرين وأموالهم، بوقاحة قلّ نظيرها، لاسيّما وأنّ إعادة إحياء المصارف وشركات التأمين على حدّ سواء، يعتمد على استعادة ثقة المودعين والمدّخرين، من هنا حريّ بالقطاع المصرفي وشركات التأمين تقليل خطاياهم، وبالأجهزة المعنيّة إيقاف سرقة العصر، ففي ذلك مصلحة مشتركة للأطراف كافة.