لا يبدو أنّ إصدار قرار تسعير “الدولار المصرفي” قريباً. مصرف لبنان يرفض تحمّل المسؤولية وكذلك وزارة المال، بينما رئاسة الحكومة مهتمّة بتقطيع الوقت ولا توافق على اتّخاذ قرارات أمدها أطول من عمر الحكومة المستقيلة… كلّ هذا قد يؤدّي إلى الاكتفاء بدفع 150 دولاراً فقط للمودعين.
تتقاذف الحكومة ومصرف لبنان مسؤولية الإعلان عن سعر “الدولار المصرفي” الذي ينتظر صدوره المودعون “بفارغ الصبر”، باعتباره محطة أساسية لبداية انطلاق العمل بالتعميم 166 الذي كان يُفترض أن تدفع المصارف بموجبه 150 دولاراً “فريش” لكلّ مودع من حساباته المصرفية.
تفيد المعلومات بأنّ مصرف لبنان لم يكن راضياً على تخصيص الدولار المصرفي بتسعيرة، وكان يفضّل رفعه وتوحيده هو الآخر ليكون 89,500 ليرة، من منطلق التعهّدات التي قُطعت لصندوق النقد الدولي بتوحيد سعر الصرف. لكنّ “حساب الحقل لم يتطابق مع حساب البيدر”، فرفع سعر الدولار المصرفي إلى 89,500 ليرة ربّما يهدّد استقرار سعر الصرف نتيجة فائض الليرات التي سيضطر إلى ضخها للمصارف وبالتالي للمودعين.
3 جهات تقول “لا”
كشفت مصادر مطّلعة على تداولات مصرف لبنان والحكومة في الأسابيع الفائتة لـ”أساس” أنّ المصرف المركزي كان يطمح إلى رفع سعر الدولار المصرفي إلى ما بين 45 و50 ألفاً، لكن في الوقت نفسه كان مصرف لبنان يقرّ بأنّ هذا الرقم مرتفع نسبياً وقد يؤثّر على استقرار سعر الصرف عند 89,500 ليرة، إذ يبدو من خلال التسريبات أنّ القرار قد استقرّ لاحقاً عند 25 ألفاً، لكن حتى اللحظة لم يبصر النور، وذلك لـ3 أسباب:
– يرفض مصرف لبنان تحمّل مسؤولية “التسعير”، ويعتبر أنّ إقرار “كابيتال كونترول” ليس من صلاحيّاته وإنّما من صلاحية البرلمان اللبناني، ولهذا يأبى الاشتراك في إصدار القرار أو التفرّد به.
– يرفض وزير المال تحمّل مسؤولية الـHaircut على الودائع منفرداً ويطالب بمشاركته في صياغة القرار، إمّا من رئاسة الحكومة أو من مصرف لبنان.
– تتملّص الحكومة (ورئيسها نجيب ميقاتي) من كلّ الملفّات، وتحاول التسويف وتمرير الوقت من دون تحمّل مسؤولية أيّ قرار، متسلّحةً بـ”صلاحيّة تصريف الأعمال” فقط، التي لا تمنحها الحقّ باتّخاذ قرارات “لها تأثير على مستقبل لبنان”، وذلك على حدّ قول مستشار ميقاتي للشؤون المالية نقولا نحاس قبل نحو أسبوع.
تداعيات “اللولار” عند 25 ألفاً
ممّا لا شكّ فيه أنّ إقرار الدولار المصرفي عند هذا الرقم (25 ألفاً) له سلسلة من التبعات… فماذا يعني أن تحدّد وزارة المالية الدولار المصرفي عند هذا السقف؟
1- يعني أنّ الـHaircut على الودائع عاد إلى قرابة 72% بعدما ظنّ المودعون أنّ بداية حصولهم على 150$ كاش ستكون بدورها بداية لوقف مسلسل الاستنزاف، الذي استمرّ 4 سنوات متواصلة.
2- يعني أنّ رقم 150 دولاراً الذي سيحصل عليه المودعون من المصارف اعتباراً من الشهر الحالي (هكذا يُفترض لكنّ شيئاً لم يتحقّق حتى الآن) لم يكن إلّا مقدّمة لإسكاتهم بهذا المبلغ الزهيد، تمهيداً لاستمرار الحسم بموجب النسبة الكبيرة المذكورة أعلاه، أو ربّما الاكتفاء بمبلغ 150 دولاراً فقط (راجع “أساس” في 7/12/2023 ).
3- يعني أيضاً أنّ التعهّدات التي قطعتها الحكومة ثمّ مصرف لبنان لصندوق النقد الدولي من أجل توحيد سعر الصرف ذهبت أدراج الرياح، وبتنا أمام سعرَيْ صرف: الأوّل هو سعر السوق القائم على “عرض وطلب” ينظّمه ويشرف عليه مصرف لبنان (تفاصيله غير معروفة) وتعترف به الدولة والمصارف في ميزانياتها وتعاملاتها مع المواطنين، وآخر يخصّ العلاقة بين المصارف والمودعين تدفع بواسطته الأولى الودائع.
4- يعني أنّ مسلسل “النقار” بين المصارف والمودعين سيعود إلى الواجهة في المرحلة المقبلة.
5- أنّ سعر صرف الدولار المستقرّ عند سعر 89,500 سيكون معرّضاً للخطر هو الآخر، على الرغم من التطمينات التي تصدر بين الحين والآخر عن “مصادر مصرف لبنان” إلى أنّ سعر الصرف “مستقرّ”، وقد يضطرّ “المركزي” إلى التدخّل باحتياطاته التي راكمها منذ نحو 5 أشهر إلى اليوم، من أجل الحفاظ على ذاك الاستقرار، خصوصاً إن ترافق كلّ ذلك مع مطالبات بزيادة رواتب القطاع العام، أو بحرب شاملة مقبلة من جنوب لبنان بمواجهة إسرائيل.
أمام هذا الواقع، ربّما يتأخّر إصدار القرار من الحكومة أو من وزارة المال، فتبقى مسألة السحوبات بالليرة معلّقة بلا أيّ جواب، ثمّ يُكتفى بدفع 150 دولاراً فقط لكلّ مودع بموجب التعميم 166.. أو 400 دولار (أو 300 للمستفيدين الجدد) بموجب التعميم 158… وكفى الله المؤمنين شرّ الودائع!