الطوابع الماليّة: اختفت…ظهرت من جديد ولكن بهذه الأسعار!
سهّلت الدولة اللبنانية على المواطن بعد أن أدخلته في دوامة المعاناة و “حرق الأعصاب” وأصبح بإمكانه تسديد الرسوم من خلال إيصالات تُدفع لوزارة المالية أو عبر شركات تحويل الأموال ريثما يتم طباعة طوابع جديدة بفئات كبيرة.. فهل “أزمة الطوابع” كانت مدبرة؟
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
ما إن صدر قانون موازنة 2024 في الجريدة الرسمية ودخلت معه الضرائب والرسوم المعدلة حيز التنفيذ، حتى بدأت المؤسسات والإدارات العامة تقاضي بدلات ورسوم المعاملات الرسمية مضاعفةً على أساس هذه التعديلات، حيث ارتفعت أسعار الطوابع 10 أضعاف.
فالمعاملة التي كانت تتطلب 4 طوابع أصبحت تكلفتها 400 ألف ليرة ليرة قبل أن تكون 4000 ليرة لبنانية (1000 ليرة عن كل طابع) ما يعني زيادة الأعباء على المواطنين الذين علت صرختهم.
والمفارقة أن البحث عن الطابع المالي الذي كان أشبه بالبحث عن “إبرة في كومة قش” لدخوله عالم السوق السوداء لم يعد موجوداً، فالدولة اللبنانية سهّلت على المواطن بعد أن أدخلته في دوامة المعاناة و “حرق الأعصاب” وأصبح بإمكانه تسديد الرسوم من خلال إيصالات تُدفع لوزارة المالية أو عبر شركات تحويل الأموال ريثما يتم طباعة طوابع جديدة بفئات كبيرة.
وقد ذكرت مصادر إعلامية أن وزارة المالية ستطلق قريباً مناقصة جديدة لتلزيم تأمين طوابع مالية لصالحها ومن شأنها أن تؤمن الطوابع المالية في السوق خلال الفترة المقبلة، كما أنها ستساهم أيضاً في لجم السوق الموازية التي تحكّمت بكميات الطوابع في ظل فقدانها.
فهل “أزمة الطوابع” كانت مدبرة؟ وماذا عن المناقصة ولماذا تريد الدولة البقاء في “العصر الحجري” ورفض إدخال التكنولوجيا على معاملاتها؟
المحامي علي عباس من المرصد الشعبي لمكافحة الفساد يقول لـ “هنا لبنان”: “من الواضح أن فقدان الطوابع خصوصاً الفئات الصغيرة من السوق كان مفتعلاً، فهناك جهة ما عملت على إخفائها حتى يتم إصدار قانون الموازنة مع الزيادات على الضرائب والرسوم، وما يؤكد ذلك أنّ الطوابع ظهرت فور إصدار قانون الموازنة ولكن بأسعار مضاعفة”.
ولعل أبرز ما يثير الجدل هو أسعار هذه الطوابع التي تتناقض مع رواتب الموظفين وبين الحد الأدنى للأجور بحسب عباس.
أما بالنسبة للمناقصة فيتساءل: “هل ستتمتع المناقصة التي ستطلقها وزارة المالية بالشفافية أم أنها ستخضع للمحسوبيات والوساطة؟”
وفي معلومات “هنا لبنان” إن هذه المناقصة شكلية للتحايل على القوانين، إذ تم الاتفاق مسبقاً على الشركة التي ستتولى مهمة الطبع. مع احتمال إجراء المناقصة من خارج إدارة المناقصات ما يسمح بالتفلّت من رقابة الإدارة وزيادة إمكانيات الفساد.
فماذا عن فئات الطوابع الجديدة؟ وما مصير الطوابع القديمة “المحتكرة”؟
يلفت عباس إلى أنه “من المرجح أن تكون الطوابع الجديدة ليست بالفئات المتعارف عليها بل بمبالغ مرتفعة تتناسب مع زيادة الرسوم التي أقرت بالموازنة وهو السبب الرئيسي الذي جعل الدولة تتريث في طباعة الطوابع سابقاً، مؤكداً على أن ما يحصل هو عمل ممنهج هدفه الوصول إلى زيادة الرسوم وبعدها إعادة طباعة الطوابع بأسعار أعلى فيما الطوابع القديمة سيتم تلفها بعد أن جرى حجبها عن المواطنين طوال الفترة الماضية بهدف عرقلة المعاملات وتعقيدها للتمهيد لجعل المواطن راضياً عن الزيادات الكبيرة الحاصلة… لا شك أن ما يحصل مخطط له ولا شك أنه بعيد كل البعد عن مبادئ العدالة والمساواة والإنصاف”.
أما اقتصادياً، فيوضح الخبير الاقتصادي وعميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الاميركية البرفسور بيار الخوري أن “رسم الطابع هو نوع من أنواع الضرائب، وهذا الارتفاع في أسعار الطوابع يتماشى مع إعادة تعديل كل الأسعار من أجل استيعاب التضخم الذي حصل في السنوات الماضية، وبالتالي هو نوع من أنواع الضربية الجديدة التي فرضت في سياق موازنة 2024 الموضوعة لإعادة تمويل واردات الحكومة بما يتناسب مع الأسعار الجديدة في البلد”.
ويلفت إلى أن “ارتفاع أسعار الطوابع بهذا الشكل يعني استبعاد وجود أرضية للسوق السوداء للطوابع بعد التوزيع على الأسعار الجديدة لأن معدل الربح الذي من الممكن أن تحققه أصبح هامشياً في تجارة الطوابع لتعود قيمتها لما كانت عليه سابقاً قبل الأزمة”.
وعن حل أزمة الطوابع يجيب الخوري: “الحل بسيط جداً ويكمن في الحل الإلكتروني، لأن الطابع الإكتروني بإمكانه القضاء على كل شبكات الفساد والاحتكار ويضمن وجوده بشكل دائم حيث يصبح متوفراً لدى كل الإدارات على أن تسدد كلفته سلفاً لوزارة المالية بعد أن تتقاضى ثمنه من المواطن أو عبر ترتيبات التسديد اللاحقة لا فرق، ولكن لننتبه أنه في وقت تسعى جميع دول العالم للتطور واعتماد الحكومة الذكية، يرفض لبنان حتى أبسط أشكال الحوكمة الإلكترونية لأسباب تعود لبنية المصالح المرتبط بها القطاع العام في لبنان”.
ويختم الخوري: “إن عدم التوجه نحو الحلّ الإلكتروني يُبقي المواطن والشركات تحت خطر إخفاء الطوابع وعودتها ليتم تسعيرها حتى فوق الأسعار الحالية”.