رغم عودة الدول الخمس المعنيّة بملف رئاسة الجمهوريّة إلى حراكها، بدءا باجتماع سفرائها امس مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالتزامن مع المبادرة الداخليّة التي تقودها كتلة “الإعتدال الوطنيّ”، وسط الحديث عن تعاون وتفاؤل وتساهل رئيس مجلس النواب نبيه برّي مع هذه الإتّصالات، لا يبدو، وفق أوساط نيابيّة مُعارضة، أنّ هناك فرصة فعليّة لانتخاب رئيسٍ قريباً، إذ إنّ “حزب الله” وحركة “أمل” لم يُعلنا عن نيّتهما بالتنازل عن ترشّيح رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجيّة، وحارة حريك لا تتحدّث عن الإستحقاق الرئاسيّ، وتضع كامل تركيزها على ما يجري في غزة وفي جنوب لبنان، من معارك مع العدوّ الإسرائيليّ.
ومن المرتقب أنّ يلتقي رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، بوفد كتلة “الإعتدال الوطنيّ” الاثنين ،علماً أنّ النائب طوني فرنجيّة، أعلن على لسان كتلته النيابيّة، أنّ مرشّحه يبقى والده، رافضاً أيّ شروط تُوضع عليه وعلى حلفائه للذهاب إلى الحوار. ويقول مراقبون إنّ موقف فرنجيّة لن يختلف عن رأيّ رعد، أيّ أنّ مبادرة “الإعتدال الوطنيّ” ستُواجه أوّل مأزق، لأنّ نواب المُعارضة سيرون مرّة جديدة أنّ لا جدوى من الجلوس مع “الثنائيّ الشيعيّ” وحلفائه، إنّ كان محور الحديث هو سليمان فرنجيّة.
ويُذكّر المراقبون أنّه في كلّ المناسبات، نجح “حزب الله” بفرض شروطه الرئاسيّة. ففي العام 2005، وبعدها في الـ2009، لم تستطع قوى الرابع عشر من آذار في حينها، على الرغم من تحقيقها الأغلبيّة النيابيّة، من انتخاب مرشّحها، وأخذها “الثنائيّ الشيعيّ” عام 2008 إلى مؤتمر الدوحة، وحاليّاً، يسعى إلى فرض الحوار على الجميع، للتوافق على فرنجيّة. ويلفت المراقبون إلى أنّ “الحزب” ومعه “أمل” يقولان إنّهما يُريدان التحاور لحلّ مشكلة الشغور الرئاسيّ، لكن في الوقت عينه، فإنّ تمسّكهما بمرشّحهما يُؤكّد أنّهما ليسا مستعدّين للتنازل عنه، والتشاور بأسماء أخرى.
وبعد الحرب في غزة، والمعارك في الجنوب، والخشية من ضربة إسرائيليّة تُوسّع النزاع إلى لبنان، يتأكّد بحسب المراقبين أنّ ما يحتاجه “حزب الله” في هذه المرحلة العصيبة وبعدها، هو انتخاب رئيسٍ مُمانع، كيّ يُحافظ على سلاحه، وعلى أحقيّته بمقاومة العدوّ. كذلك، فإنّ “الثنائيّ الشيعيّ” يبحث أيضاً عن مرشّح قادرٍ على صون وجود مُقاتلي “الحزب” في جنوب لبنان، عبر تطبيق الـ1701 لإنهاء الأعمال القتاليّة، لكن مع رفض إنسحاب عناصره إلى شمال الليطاني.
وتجدر الإشارة إلى أنّ “حزب الله” استطاع التمديد للرئيس السابق إميل لحود، وخاض أثناء وجود الأخير في قصر بعبدا، حرب تموز 2006. وقد أتى بعده الرئيس ميشال سليمان، الذي انتُخب بموافقة “الثنائيّ الشيعيّ”، بعد رفض مجيء أيّ رئيس “سياديّ”، وبعد أحداث أيّار 2008. ولعلّ انتخاب الرئيس ميشال عون، عزّز من موقع “الحزب” في المنطقة ككلّ، فشارك في المعارك في سوريا إلى جانب الجيش السوريّ، وانتقل إلى اليمن، حيث ساعد الحوثيين في الحرب، وساهم في العراق بتقويّة الفصائل المواليّة لإيران. أمّا الآن، فهو يقود معارك في الجنوب، لمُساندة حركة “حماس” في غزة.
ويُشدّد المراقبون على أنّ “حزب الله” لن يأتي برئيسٍ غير فرنجيّة، أو إذا وافق بطريقة ما على إسمٍ وسطيّ، فإنّ هذا المرشّح سيُقدّم ضمانات عديدة لـ”المقاومة”، أوّلها عدم المسّ بسلاحها وبخطوط إمدادات الأسلحة التابعة لها، مع المُحافظة على بند في كلّ حكومة تتشكّل يحفظ حقّ “الحزب” بالتحرّك بحريّة ضدّ إسرائيل، إنّ هدّدت تل أبيب لبنان، أو إنّ أوجب تدخّل حارة حريك مرّة جديدة لمُعاونة الفلسطينيين، أو الرئيس بشار الأسد في سوريا، أو الحوثيين في اليمن.