الرئاسة مقفلة… ولكن ماذا عن الإشارات النقيضة؟

إلى الآن الأفق الرئاسي مقفل. معادلة ثابتة منذ 31 تشرين الأول 2022. العنوان الرسمي لهذا الإقفال هو التعطيل المتبادل من جانب القوى اللبنانية بعدما أخذ الاستحقاق شكل الاصطفاف العمودي. العنوان المضمر والفعلي منذ 7 تشرين الأول الفائت هو الحرب على غزة وتبعاتها على الجنوب اللبناني، ما جعل الملف الرئاسي ثانوياً ومركوناً على الرفّ.

أكثر من محطة عبرها الاستحقاق، لا سيما لجهة مواقف القوى المسيحية، فانتقل الجناح المعارض من تبني ترشيح ميشال معوض إلى التقاطع مع «التيار الوطني الحر» على جهاد أزعور. وفي كلا المرحلتين، رفضْ سليمان فرنجية هو القاسم المشترك، ولا يزال، والأرجح أنّه لن يتغيّر. ومعهم قفز وليد جنبلاط إلى ضفّة أزعور، لكّنه كشف حديثاً عن حقيقة موقفه بالوقوف على خطّ الوسط ليقرب أكثر من فرنجية، بانتظار هبوب ريح التسوية التي ستقوده حكماً إلى حضن الأوفر حظّاً الذي سيدخل قصر بعبدا. أما «تكتل الإعتدال الوطني» وما يمثله من حضور سنيّ فلحقه أيضاً إلى الوسط ولكن لجهة الابتعاد عن رئيس «تيار المرده». وحده الثنائي الشيعي لا يزال على موقفه. أقله في العلن، لأنه في اللقاءات المغلقة ثمة كلام من نوع آخر.

بناء عليه، يمكن القول إنّ مختلف القوى السياسية تتعامل مع الاستحقاق على أنّه انتقل إلى مربّع البحث عن خيار توافقي، يُبعد بالنتيجة كلّاً من فرنجية وأزعور، حتى لو أن ّهناك من بالغ في هواجسه، أو طموحاته، ظنّاً منه أنّ تسوية الحدود البرية في ما لو حصلت ستحمل تقاطعاً رئاسياً في طيّاتها. وفي مطلق الأحوال، لا يزال تحديد موعد إلتماس هلال الرئاسة، ضرباً من ضروب الخيال… وبالنتيجة، لم تثمر جولة الاتصالات التي حصلت في الفترة الأخيرة إلّا عن جملة مؤشرات وإشارات يمكن تلخيصها بالآتي:

– تتصرف اللجنة الخماسية على أساس أنّ الاستحقاق لم ينضج بالكامل، ربطاً بمواقف القوى السياسية، ولهذا عدلت عن تحديد موعد لاجتماع على مستوى الوزراء والمستشارين رغم حماسة باريس لهذه الخطوة. لكن مكونات أخرى، ومنها الولايات المتحدة كانت أكثر تحفّظاً وفضّلت تأجيل الاجتماع كون بيانه الختامي لن يأتي بأي جديد طالما أنّه لم يطرأ أي تغيير داخلي أو خارجي. وعليه، تمّ ترحيل الكلام عن اجتماع رابع كان يفترض عقده في الرياض إلى أجل غير مسمّى. وتمّ تكليف سفراء الدول الخمسة بملء الفراغ بحركة داخلية، تبقي هذه اللجنة فعّالة بمهمتها، وتعمل على تحضير الأرضية الداخلية أو فكفكة العقد اذا أمكن، بانتظار الظرف المناسب.

– لا تزال قطر على خطّ محاولاتها لتحقيق خرق ما في الملف الرئاسي، ولو أنّها سحبت الملف من يد موفدها «أبو فهد»، وبدأت تتعامل معه على مستوى مركزي، مع العلم أنّ الحراك القطري مغطى أميركياً، ولو أنّه قد يثير حساسية المكونات الأخرى للخماسية. لكن الأكيد أنّ ورقة اللواء الياس البيسري سقطت بدورها. وثمة كلام عن سلسلة لقاءات قد تعقد في الدوحة مع مسؤولين لبنانيين حيث يتردد أنّ وليد جنبلاط قد يتوجه في الأسابيع المقبلة إلى قطر.

– على المستوى الرسمي، لا يزال الملف الرئاسي في عهدة وزارة الخارجية الأميركية فيما ملف الحدود في عهدة الموفد آموس هوكشتاين، وذلك خلافاً للإدارة الفرنسية التي كلفت خارجيتها بملف الحدود فيما لها موفد خاص هو جان ايف لودريان يتولى الملف الرئاسي. لكن محدودية مهمته، لم تمنع هوكشتاين من مقاربة الملف الرئاسي من حافته، بمعنى عدم الانخراط في التفاصيل والاكتفاء ببعض عناوينه، كأن ينصح نواب المعارضة بمعاودة التشاور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري كون «موقفه صار أكثر ليونة».

– رغم إصرار رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل على فصل مساره عن مسار حليفه أي «الح.زب» في ما خصّ الموقف من الحرب على غزة وبالتالي الأعمال العسكرية الحاصلة في الجنوب اللبناني، إلّا أنه يترك للصلح مطرحاً ويحرص على عدم قطع شعرة معاوية، لاقتناعه أنّ العلاقة مع «الح.زب» قد تصطلح من جديد على قاعدة الاتفاق على مرشح ثالث خصوصاً وأنّ الأحداث والتطورات أثبتت أنّ لا حليف بديلاً للح.زب عن «التيار الوطني الحر»، ما يجعل إمكانية التفاهم واردة، خصوصاً أنّ باسيل يلتقط بين الحين والآخر إشارات إيجابية من الثنائي الشيعي، تدعم وجهة نظره القاضية بأنّ النفاذ إلى مرشح ثالث هو حتميّ.

– لم يتمكن قائد الجيش العماد جوزاف عون حتى الآن من كسب تأييد الثنائي الشيعي في ما خص ترشيحه للرئاسة.

– مقابل التشدد الذي يتمسك به الثنائي الشيعي في دعم ترشيح فرنجية، ثمة إشارات انفتاح يتمّ تمريرها بين الحين والآخر لا سيما مع الدبلوماسيين الغربيين، قد تؤدي إلى فتح باب الحديث عن مرشح ثالث، تحت عنوان «اقنعوا فرنجية بالإنسحاب»… ولو أنّ الأكيد أنّ الأخير لن ينسحب إلا اذا طلبه منه «الح.زب».

بالنتيجة، ثمة تسليم بأنّ الرئاسة مؤجلة، وكلّما ازداد الوضع الإقليمي تعقيداً، كلما ارتفع منسوب التأزّم رئاسياً… حتى أنّ هناك من بات يعتقد أنّ الخروج من عنق الزجاجة بات يستدعي عقد اتفاق «دوحة 2 « كي تستقيم الأوضاع من جديد، مع العلم أنّ طرح المسّ بالنظام السياسي أو تعديله لم يرق إلى مستوى الطرح المكتوب أو الموثّق على المستوى الديبلوماسي.