هل يتّجه لبنان إلى الحرب الأهليّة؟
في مقارنة بسيطة بعيداً عن تفاصيل الأحداث بين مشهد اليوم والمشهد عشيّة الحرب الأهليّة اللبنانية، لن نجد فوارق أساسيّة. بين القضية الفلسطينية وإسرائيل والشرخ الداخليّ الطائفي، يمكن بسهولة التحدّث عن خطر داهم يطوّق لبنان اليوم. هو خطر الحرب الأهليّة المتصاعد مع تصاعد التهديدات الإسرائيلية بحرب مقبلة مدمّرة على لبنان. ولا سبيل لوقف هذا المسار التدميري إلا بإيجاد لحظة التقاء داخلية بدأ كثيرون العمل على تأسيسها قبل بلوغ نقطة اللاعودة.
في ورش سياسية وفكرية يتحدّث المعنيون بالشأن السياسي في لبنان عن مقوّمات الحرب الأهليّة التي بدأت تتكاثر في الخطاب السياسي وعلى الأرض وفي الميادين.
ينقسم اللبنانيون إلى أكثر من فريق. ولا صوت يعلو فوق صوت الشرخ العميق. مجموعة تنتظر “انتصاراً” يكرّس قوّتها ونفوذها في الداخل اللبناني، ومجموعة تنتظر “انتصاراً” بعد حرب تسحق قوّة خصومها. وفي المنطقين مسار تدميري لن يترك ما بقي في لبنان على قيد النجاة.
في عام 1975، ثمّ في 1982، وخلال أعوام الحرب، كانت مصطلحات القتل قائمة على عناوين القضية الفلسطينية والعمالة لإسرائيل. اليوم تعود هذه المصطلحات إلى الواجهة تزامناً مع أكبر انهيار اقتصادي وماليّ مرّ به لبنان. وهي مستمرّة منذ 5 سنوات حتى اليوم.
حجم الانقسام يظهر عند كلّ مفترق. آخره ظهر في الكلام عن تعويضات لمتضرّري الحرب في الجنوب. ظهر ما كان لا يزال عالقاً في وجدان المسيحيين، وهو قضية تفجير المرفأ وعدم دفع تعويضات مشابهة لما سرّب أنّ الحكومة ستدفعه لأهل الجنوب.
ليس موقف نائب رئيس التيار الوطني الحر ناجي حايك المعترض على تعويضات الجنوب المزعومة، إلا انعكاساً لحجم الانشقاق الداخلي. إذا كان هذا الشقاق واضحاً بين حلفاء الأعوام الستّة عشر الماضية، فإلى أيّ مدى تبلغ خطورة الانشقاق الوطني؟
سؤال يقود مرجع سياسي إلى القول إنّ لبنان في مرحلة خطيرة على عتبة حرب إسرائيلية وشرخ داخلي سيقود حتماً إلى مشاكل أهلية بعد أيّ حرب مقبلة.
حرب إسرائيليّة تقود إلى حرب أهليّة؟
في ما يسمّى بـ”الأبواب الدبلوماسية الخلفيّة” كلام خطير. يقول مرجع دبلوماسي لـ”أساس” إنّ لبنان أمام مفترق مصيريّ. الحرب الإسرائيلية أصبحت حتمية ووقفها يحتاج إلى جهود وتلاقٍ داخلي وخارجي.
أيّ حرب إسرائيلية ستجلب معها توتّراً داخلياً نتيجة الشرخ بين القوى في لبنان، وقد تقود إلى حرب أهلية. فتراكمات الخطاب الطائفي والسياسي التحريضيّ ستجد متنفّسها في الشارع. وعليه، تدارك خطورة هذا الانزلاق يحتّم التوجّه إلى مسار التهدئة. تهدئة خارجية وأخرى داخلية.
التهدئة الخارجية يدرك أهميّتها الحزب، وعلى أساسها هو محكوم بردّه العسكري على الضربات الإسرائيلية. أمّا التهدئة الداخلية فلها مسار مختلف لا ينحصر بما هو مطلوب من الثنائي الشيعي فقط. بل بسلوك القوى الأخرى الذي لا يزال عالقاً في أزمة التمسّك بالموقف من جهة، وضرورة ملاقاة الفريق الآخر من جهة أخرى.
مبادرات التقاء: من الفاتيكان وبكركي إلى بيان كتلة الوفاء للمقاومة
في الكواليس عمل جدّي على التهدئة. التهدئة في مفهوم الفاتيكان، عاصمة الكثلكة الفاعلة على مستوى الدبلوماسية الدولية في القرارات، هي على جبهتين: جبهة الجنوب والجبهة الداخلية.
من هذا المنطلق تكاثرت ورش ومساعٍ لوقف مسار الحرب الإسرائيلية على لبنان، على أن يلاقي ذلك مسعى داخلي بدأت بكركي تقوم به لجمع القوى اللبنانية حول وثيقة تشكّل أساساً للانطلاق بتوافق داخلي على المسار المقبل. والهدف هو تجنّب الحرب الأهليّة.
في الأسبوعين الأخيرين، استاءت بكركي، بحسب معلومات “أساس”، من تسريبات وضعت الوثيقة التي تعمل عليها في خانة التحدّي. لأنّ المطلوب بالنسبة إليها أن تكون الوثيقة وطنية تجنّب لبنان نتائج الانشقاق الداخلي العميق في لحظة أزمة وطنية حقيقية تعصف به.
بناء على هذا المعطى، تتحدّث معلومات “أساس” عن أنّ بكركي بعثت برسائل إلى كلّ من يعنيه الأمر مفادها أنّ وثيقتها لن تكون وثيقة تحدٍّ بل التقاء. تماماً كما هو دور بكركي التاريخي.
في المقابل، صدرت إيجابية من بيان “كتلة الوفاء للمقاومة” الأخير الذي قال في بند رئاسة الجمهورية إنّ “الكتلة ستجيب على المبادرين في الاستحقاق الرئاسي بما تقتضيه مع المصلحة الوطنية”.
مصدر مقرّب من الحزب اعتبرها رسالة إيجابية إلى الداخل اللبناني يقول عبرها الحزب إنّه جاهز للذهاب إلى منتصف الطريق.
غير أنّ هذه المبادرات أو الرسائل لا أفق لها ما لم تُلاقَ بالشكل المناسب. وحتى الساعة يقول مصدر مقرّب من الحزب إنّ الفريق “السياديّ” مكبّل بمواقفه المتشدّدة غير القابلة للحوار، وإنّ لبنان محكوم بالتفاهم. فإذا لم يخطُ أحدٌ خارج مربّعه الجامد، فكيف سيلتقي الجميع على انتخاب رئيس توافقي؟ وكيف سنخرج من احتمال الحرب الأهليّة؟
هل تكون رئاسة “الخيار الثالث” باباً يفتح مسار التقاء ويقفل مسار شرخ داخلي قد يقود إلى ما هو أخطر عشيّة تهديدات إسرائيلية مستمرّة؟ أو هل تكون الرئاسة باباً يفتح باب وقف الحرب لا تصعيدها؟
يقول مرجع سياسي إنّ الخماسية في عطلة وعاجزة عن فرض أيّ حلّ داخلي. في وقت تبدو الرسائل والمبادرات كثيرة لكن ليس هناك من يلتقطها. بل لا تزال تنتظر عرّاباً لإخراجها في حلّة داخلية تحاكي التوازنات من جهة، وحجم الأخطار المقبلة علينا من جهة ثانية.