قالت كريستي أون، مسؤولة الأبحاث والعمليات في “غلوبال نيشن”، وزميلة في منتدى كامبريدج للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إنه مع تزايد النفوذ الجيو-اقتصادي للصين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أصبحت دول المنطقة تدرك المخاطر الناجمة عن اعتمادها على الدولار الأمريكي.
وبدءاً من اتفاقية الطاقة الرائدة المبرمة بالرنمينبي الصيني (يوان) وحتى انضمام 4 دول من الشرق الأوسط مؤخراً في مجموعة بريكس بلس الداعية إلى الاستخدام الموسع للعملات المحلية، تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا موجة من الإطاحة بالدولرة.
ومع ذلك، رأت كريستي أون، وهي باحثة شوارزمان في جامعة تسينغهوا أيضاً، في مقالها بموقع “ناشونال إنترست” أن اليوان لن يصبح بديلاً موثوقاً به في المستقبل القريب، حتى إن كان يشكل جزءاً من مجموعة أدوات مالية تستخدمها دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لحماية مصالحها الاقتصادية طويلة الأجل.
جهود صينية متسارعة
وتابعت الكاتبة: ورغم الجهود الصينية المتسارعة في مجالات التجارة والاستثمار والرقمنة التي تشجع على اعتماد الرنمينبي، لا يزال الدولار يؤدي دوراً دولياً مهماً في إطار وظائف النقود الثلاث بوصفه “وحدة حساب”، و”وسيلة للتبادل”، و”مخزناً للقيمة”.
ويشكل الدولار حوالى 90% من معاملات الصرف الأجنبي، ونصف عملات فواتير التجارة العالمية، ونصف القروض عبر الحدود وسندات الدين الدولية. ويُعدُّ الدولار وسيلة تبادل مقبولة على نطاق واسع، مما يخفض تكاليف المعاملات الدولية.
وعند اعتماده في بيئات اقتصادية ومالية غير مستقرة، يمكن للدولار أيضاً أن يوفر استقراراً أكبر للعملة مقارنة بعملة البلد نفسها.
والأهم أن ربط العملة بالدولار يُثبّت أسعار الصرف بين الشركاء التجاريين ويحافظ على القدرة التنافسية لأسعار الصادرات إلى الولايات المتحدة.
ورغم ذلك، انخفضت نسبة احتياطيات الدولار العالمية من 73% في عام 2001 إلى 58% في الربع الأخير من عام 2022. ويثير استخدام الدولار سلاحاً عبر نظام المقاصة بين البنوك (CHIPS) ونظام سويفت (SWIFT) مخاوف بشأن التلاعب، فقد مُنِعَت البنوك الإيرانية مثلاً من استخدام نظام سويفت منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018، لكن إيران لجأت بشكل متزايد إلى استخدام الرنمينبي لإجراء المعاملات التجارية.
السيادة الاقتصادية
وأوضحت الكاتبة أن اعتماد الدولار يحد أيضاً من السيادة الاقتصادية لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك بزيادة تعرضها لتقلبات الاقتصاد الأميركي.
وبالنسبة للدول التي تعاني من ضائقة الديون، أدت زيادات أسعار الفائدة الأميركية وارتفاع قيمة الدولار إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض، ومدفوعات الديون الأكثر تكلفة، وتضخم أسعار الواردات، مما قيَّدَ قدرتها على مواجهة النمو الاقتصادي البطيء.
واعتباراً من عام 2021، ارتفع الدين الخارجي للمُقرضين من القطاع الخاص إلى 42% في المنطقة العربية.
وفي الوقت نفسه، يتحول التركيز الاقتصادي لدول الخليج نحو الشرق، وتشير التقديرات إلى أن تجارة دول مجلس التعاون الخليجي مع آسيا الناشئة – بما في ذلك الصين – ستتفوق على التجارة مع الغرب بحلول عام 2026.
وتزداد جاذبية الرنمينبي بشكل ملحوظ عبر الوظائف الثلاث الرئيسية للمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فيما يتعلق بوحدة الحساب في التجارة الدولية، سيعمد البنك المركزي العراقي إلى استخدام الرنمينبي لمزاولة التجارة مع الصين، تعويضاً عن النقص المحلي في الدولار.
وكوسيلة للتبادل، تم الترويج للرنمينبي في ترتيبات مبادلة عملات بقيمة 6.93 مليار دولار بين البنكين المركزيين الصيني والسعودي في تشرين الثاني 2023.
أما بالنسبة لمخزن القيمة في نظام الاحتياطيات، فقد أُضيفَ الرنمينبي إلى احتياطيات النقد الأجنبي لإسرائيل البالغة قيمتها 206 مليارات دولار أميركي لتقليل مخصصاتها من الدولار واليورو.
ويتمتع الرنمينبي باستقرار نسبي مع تزايد نضج آلية تكوين سعر صرفه. وعلى عكس القروض المقومة بالدولار، أدت أسعار الفائدة المنخفضة نسبياً للرنمينبي إلى زيادة الطلب الصيني على إصدار الديون.
مصر أول دولة
ووصلت أسعار الفائدة على العملة الصينية مؤخراً إلى مستويات قياسية منخفضة، مما أدى إلى الإطاحة باليورو بوصفه ثاني أكبر عملة في تمويل التجارة العالمية.
ونظراً لاحتياجات التمويل التي تزيد على ثلث ناتجها المحلي الإجمالي، فإن مصر معرضة لارتفاع أسعار الفائدة وستشهد تكاليف إعادة تمويل مرتفعة مع استحقاق سنداتها في العام المقبل.
وأصبحت مصر أول دولة في المنطقة تصدر سندات مقومة بالرنمينبي لتخفيض تكاليف الديون في تشرين الأول الماضي.
ولفتت الكاتبة إلى أن هذه الإجراءات تسهم في دعم استخدام الرنمينبي في مجالي التجارة والتمويل.
وتبرز أهمية منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية، ويقترب حجم تجارة الخليج والصين حالياً من مجمل تجارة دول الخليج مع المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأوروبا الغربية مجتمعة.
وفي الواقع، ارتفعت قيمة المعاملات المقومة بالرنمينبي للدول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق بنسبة 90% على أساس سنوي.
وقالت الكاتبة إن دول الخليج منفتحة على تجارة الطاقة المقومة بالرنمينبي، والطلب الكبير على الطاقة في الصين ومكانة الشرق الأوسط كمصدر رئيس للنفط إلى الصين يجعلان تجارة النفط بالرنمينبي واعدة.
وتتميز الصين بريادتها العالمية في تطوير عملتها الرقمية التي تتيح إجراء المعاملات التجارية بشكل مستقل عن نظام سويفت، إذ يُعادل الرنمينبي الرقمي قيمة الرنمينبي الملموس، ويوفر تحويلات مصرفية بين البنوك أسرع وأكثر فاعلية من حيث التكلفة، ويكفل إمكانية الاندماج مع بطاقات الائتمان الدولية، وإتاحة وصول الأجانب للعملة.
شروط أساسية للعملة الرائدة
وأشارت الباحثة إلى أن هناك 3 شروط أساسية لكي تصبح العملة رائدة على مستوى العالم: الاستقرار والسيولة والقبول العالمي، وهي عوامل يفتقدها الرنمينبي حالياً.
ولا يزال الدولار يحافظ على ريادته، إذ تدعمه سوق مالية قوية، ولم ينخفض نصيبه من معاملات الصرف الأجنبي وإصدار الديون.
وتجعل القيود الصارمة التي تفرضها الصين ونقاط الضعف في تحويل رأس المال العملة الصينية غير مؤهلة لتصبح عملة استثمارية سائلة، إذ يلاحظ انخفاض مستمر في حصة الاستثمار الأجنبي في أسواق الصين الداخلية. ورغم الجهود التي بُذلت لتحقيق استقرار سعر صرف الرنمينبي، لا تزال هناك قيود على سوق المشتقات المالية في الصين تحول دون التحوط ضد تقلباتها.
واختتمت الكاتبة مقالها بأن “بناء شبكة من العوامل الخارجية لبديل للدولار يستلزم جهوداً شاملة في منطقة الشرق الأوسط للإطاحة بالدولرة”، وأضافت: “يُعدُّ تحقيق ذلك أمراً غير مؤكد بسبب تكاليف الابتعاد عن الدولار والروابط المعقدة بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والولايات المتحدة”.