لهذا ستؤجّل الانتخابات البلدية!

أصبح شبه مؤكد أن الانتخابات البلدية، التي حدد وزير الداخلية بسام المولوي مواعيد إجرائها بين 7 و28 أيار المقبل، بحكم المؤجّلة، والموعد حدد بالأساس لرفع العتب الدستوري عن وزير الداخلية، كي لا يتهم بأنه تخلف عن القيام بواجبه، ومهلة توجيه الدعوة للهيئات الناخبة بدأت فعليا ولم تطلق، وكان يجب تحديد مراكز الاقتراع وعدد أعضاء المجالس البلدية والاختيارية في كل مدينة وقرية كما تفرض المادة 14 من قانون 118/1977.

الشكوك تدور حول قدرة موظفي الوزارة خلال ما تبقى من وقت على توليف التجهيزات اللازمة لمراكز الاقتراع، بما في ذلك تحديد رؤساء الأقلام ومساعديهم، وتأمين القرطاسية، علما أن عملية استقبال طلبات الترشيح لأعضاء 1059 بلدية و3018 مختار مهمة شاقة، وقد يتجاوز عدد المرشحين 100 ألف، بينما لا يوجد لدى دوائر المحافظين والقائمقامين مطبوعات كافية لتسليم هؤلاء إيصالات تثبت ترشحهم، وتعطي إذن لعمل المندوبين عنهم، والمصارف ليس لديها قدرة على توفير مبالغ نقدية كبيرة كقيمة لرسوم الترشيح خلال الفترة المتبقية، ناهيك عن عجز دوائر الأحوال الشخصية عن تأمين مستندات تثبت ورود أسماء المرشحين في قوائم الشطب كشرط يفرضه القانون على الراغبين بالترشح.

هروب المسؤولين إلى الأمام خوفا من إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية، تبرره بالنسبة لهم أسباب معلنة تتعلق بالوضع المتوتر في الجنوب من جراء العدوان الوحشي الإسرائيلي، ورفض «الثنائي الشيعي» استثناء محافظتي الجنوب والنبطية من العملية، كما أن بعض الأصوات تقول: إنه يجب ألا تجري استحقاقات مهمة في الدولة من دون وجود رئيس للجمهورية، ولا يجوز اعتبار غيابه تفصيلا يمكن القفز فوقه، والقوى الأمنية والأجهزة الإدارية تتهيب من مهمة الإشراف على العملية الانتخابية، كونها أكثر تعقيدا من الاستحقاق النيابي، نظرا للعدد الهائل للمرشحين، ولكون العملية على تماس مع الحساسيات المحلية والطائفية والعائلية، وضبط الوضع يحتاج لمجهودات كبيرة.

المخفي من الأسباب التي تدفع باتجاه نسف الانتخابات البلدية، قد يكون أهم من المعلن منها، وأبرز هذه الأسباب التي لا يتحدث فيها السياسيون جهارا، يتعلق ببلدية بيروت، لما لرمزية العاصمة من تأثيرات سياسية وطائفية وإدارية، والعرف جرى أن يكون أعضاء المجلس البلدي فيها مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، أي 12 عضوا لكل فئة. وهذا العرف الذي لا ينص عليه القانون، معرض للانتهاك هذه المرة لأسباب متعددة. برغم أن قانون البلديات يلحظ، إناطة السلطة التنفيذية في بلدية بيروت بالمحافظ الذي يعين من مجلس الوزراء، على غير ما هو معمول به في كل بلديات لبنان الأخرى حيث يتولى فيها رئيس البلدية المنتخب من أعضاء المجلس البلدي السلطة التنفيذية.

في الانتخابات البلدية التي جرت في العام 1998 بعد انقطاع 35 سنة، كفل الرئيس الشهيد رفيق الحريري تحقيق التوازن في بلدية بيروت، لما كان له من تأثير سياسي وشعبي، وفي الدورات المتتالية التي حصلت في العام 2004 والعام 2010 والعام 2016، كانت الحريرية السياسية وبالتعاون مع حلفائها وقوى أخرى على الساحة المسيحية، تكفل فوز أعضاء المجلس البلدي في بيروت مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، برغم أن عدد المقترعين من المسيحيين في العاصمة لم يتجاوز 25 في المئة من مجمل 93 ألفا هم عدد المشاركين في العملية الانتخابية الأخيرة.

تتخوّف أوساط سياسية من حصول فوضى انتخابية قد تؤدي إلى نسف التفاهمات الوطنية التي تقضي بتحقيق توازن في مجلس بلدية العاصمة، كما من حرمان الطوائف قليلة العدد من التمثيل في بيروت.

الخوف من حصول مفاجآت في انتخابات بلدية العاصمة، دفع بعض القوى المسيحية للتخفيف من حماستها للانتخابات، بانتظار حصول تفاهمات جديدة، أو ربما لتعديل قانون البلديات، لأن احتمالية ألا يفوز أحد من المسيحيين بعضوية المجلس البلدي، قائمة، خصوصا إذا ما كانت هناك قوى فاعلة تريد توجيه مثل هذه الرسالة القاسية لبعض أحزابهم السياسية.

Exit mobile version