الجميع ناموا واستراحوا الآن بعدما “نشّفوا عرقهم”… 300 دولار ولكن؟!
نام الجميع واستراحوا الآن، وهذا هو المهمّ بالنّسبة إليهم. فهم اعتبروا أنهم أنجزوا إنجازاً كبيراً بحدٍّ أدنى للأجور بقيمة 300 دولار في القطاع الخاص، طالبين من الجميع أن “ينشّفوا عرق” مجهودهم الكبير بعبارات من مستوى “نعلم أن هذا غير كافٍ… ولكن”. هذا فيما القاصي والداني يعلمان أن 300 دولار ربما كانت مقبولة نوعاً ما مع انهيار عام 2020 – 2021، ولكن ليس اليوم.
فراتب 300 دولار ليس شيئاً اليوم، لإنسان يعيش حتى لوحده، ولو كان بصحة جيّدة، أي غير مُضطَّر للإنفاق على أدوية وطبابة. فكيف إذا قُلنا إن المال يُترجَم الى حاجات كثيرة، والى مدفوعات هائلة، ما عادت سجينة دولار سوق سوداء فقط، وقد ملّ الجميع من تعدادها المستمرّ.
فماذا عن ضرورة توسيع دائرة المفاوضات التي تُجرى بين الحين والآخر من أجل زيادة الرواتب والتقديمات الاجتماعية، لتشمل أمور أوسع بشكل يسمح ربما بإصدار بطاقات للعمال والموظّفين تمنحهم حسومات في صيدليات معيّنة (تشمل عدداً وأنواعاً معيّنة من الأدوية المُكلِفَة)، أو للكشوفات الطبية (3 كشوفات خلال شهر ونصف مثلاً)، وفي بعض أنواع المحال التي تبيع سلعاً مُكلِفَة…
فالإنسان ليس أرقاماً تُعالَج بحدّ أدنى أو أقصى للأجور. والمال ليس أرقاماً أيضاً، بل ترجمة ملموسة لحاجات في الحياة اليومية. فأوقفوا البطولات الوهمية، واخرجوا الى خارج الصّحن، ولو قليلاً.
لمصلحة الناس…
أوضحت الخبيرة المتخصّصة بالاقتصاد النقدي الدكتورة ليال منصور أن “الحد الأدنى للأجور هو نسبة مرجعية لرواتب الفئات التي ليس لديها أي مميّزات، أي للأشخاص الذين لا يمتلكون شهادات، والذين يقومون بأعمال محدودة التأثير جدّاً. فهؤلاء يجب أن يتقاضوا 300 دولار كحدّ أدنى، بالحالة التي وصلنا إليها الآن. وهذا الرقم كان يشكّل الحدّ الأدنى للرواتب في لبنان قبل الأزمة، وذلك قبل أن يرفعوه الى 400 دولار، في حقبة ما قبل الأزمة أيضاً. هذا مع العلم أن الفئات التي تتقاضى الحدّ الأدنى قليلة جدّاً جدّاً، إذ إن أي إنسان يمتلك شهادة وخبرة يتقاضى الحدّ الأدنى ×2 أو ×3 في حالتنا اليوم”.
وأشارت في حديث لوكالة “أخبار اليوم” الى أن “القطاع الخاص في لبنان يدفع ضرائب. ومن واجب الدولة التي تأخذ تلك الضرائب أن تستعملها وتؤمّن هي من خلالها للمواطن محدود الدخل، الطبابة والاستشفاء والمدارس والتقديمات الاجتماعية. فضرائب القطاع الخاص تساهم عملياً بتأمين التقديمات الاجتماعية والصحية، ويجب على الدولة أن تُحسن استعمالها لمصلحة الناس”.
وشدّدت منصور على أن “المشكلة ليست بالقطاع الخاص في لبنان، بل بالقطاع العام الذي يأخذ الضرائب ولا يؤمّن شيئاً بالمقابل، لا على مستوى التحسين، ولا على أي صعيد آخر”.
وأضافت:”لا يمكن الاتّكال على القطاع الخاص في كل شيء بنسبة 100 في المئة، طالما لدينا دولة. فلا يمكن للدولة ولقطاعها العام أن يلعبا دور سحب المال فقط، مقابل لا شيء، ويجب أن يقوما بأدوارهما اللازمة مقابل الضرائب التي يستفيدان منها. وإلا، فلتوقف الدولة جباية الضرائب، ولتدبّر شركات ومؤسّسات وقطاعات القطاع الخاص شؤونها وشؤون الموظفين والعاملين فيها، فيكون للمهندسين والمدرّسين… مثلاً، وغيرهم من موظّفي القطاع الخاص مدارسهم، ومستشفياتهم… فتتّفق مجموعة من القطاعات مثلاً مع بعضها البعض لتأسيس جمعيات تموّل مؤسّسات تربوية وصحية تعتني بموظّفيها، وهكذا دواليك. ففي تلك الحالة، سيدبّر كل قطاع شؤون العاملين فيه”.
حلّ دائم؟
وردّاً على سؤال حول سبب عدم قيام الهيئات الاقتصادية بالضّغط على الدولة من باب القول إننا ندفع الضرائب، فلم لا تُستَثمَر بتقديمات اجتماعية فعلية ومُستدامة للفئات العاملة، أجابت منصور:”مفاوضات ومحاولات التوصُّل الى حلول لتصحيح الرواتب والأجور مسألة قديمة. كما أن فكرة إصدار بطاقة صحية لتأمين الطبابة قديمة أيضاً، ولكنّها لم تُثمر. لماذا؟ الأسباب متعدّدة، من بينها البيروقراطية، التي تجعل التفاوض بحاجة الى موافقة جهات عدة تنتمي الى أحزاب وتيارات سياسية مختلفة، أولويتها مصالحها الخاصة والسياسية والطائفية، لا مصلحة الوطن والشعب”.
وختمت:”طالما أن لا انتماء للبنان، بل لشعارات حزبية ودينية وطائفية، فإن لا حلّ ممكناً في هذا البلد. فقد وصلنا تقريباً الى حالة باتت تُحَلّ فيها المشاكل بشكل يتخطى وجود الدولة، وهي الاعتماد على المساعدات والتبرّعات مثلاً للحاجات الطبية. فهذه الأساليب تساعد الناس طبعاً، ولكنّها ليست حلّاً دائماً”.