من سيّئ الى أسوأ تتدحرج الاوضاع في لبنان مع كل يوم يمر. شغور رئاسي مزمن ومتمدد قطع شوط العام ونصف العام ، حكومة تصريف أعمال تتخبط في وحول ازمات عاجزة عن حل اي منها تعتمد سياسة الترقيع منعا للإنفجار، اوضاع معيشية بالغة السوء وشعب يئن بعدما تمت دولرة كل السلع باستثناء رواتبه، جبهة جنوبية فتحها حزب الله ليساند غزة احرقت الجنوب ودمرته وهجرت 140 الفا من اهله وقد تسببت بعد ستة اشهر بسقوط نحو 440 شهيدا بين مقاتلين ومدنيين ونحو الف جريح. اما الخسارة المادية فتقدر حتى الساعة بـ3 بليون دولار.
فوق كل ذلك، يلتحق الوضع الامني الداخلي بالتسيّب والفلتان نتيجة اولا وجود نحو مليوني نازح سوري في بلد غير قادر على النهوض بابنائه، او ما تبقى منهم، وقد هاجرت شريحة واسعة معظمها من النخبة وثانيا بفعل فائض قوة يمارسه حزب بنى دولة ضمن الدويلة، يستبيح الامن ويمارس ما يحلو له امنيا وعسكريا ، حيث يريد على مساحة الوطن، من دون اي اعتبار للدولة واجهزتها بكل فروعها ويورط البلاد كلها في حروب لا ناقة لها فيها ولا جمل، والانكى انه يخوّن من لا يؤيدونه ويصنفهم في خانة العملاء ويمنع على اهالي ضحايا تسبب مباشرة او بالواسطة بقتلهم برفع الصوت، لأن المتهمين من صفوفه في مصاف القديسين، وإن صودف ان حوكموا او سُلموا فلا ضير ما دامت سطوة الحزب تُطلق سراحهم سريعا على غرار قتل الطيار في الجيش اللبناني سامر حنا والجندي الايرلندي في قوات اليونيفل شون روني وغيرهم كثر. وها هو امين عام الحزب السيد حسن نصرالله يطل بالامس مهددا ومتوعدا احزاب المعارضة باعتبارها وجهت الاتهام في خطف منسق القوات في جبيل باسكال سليمان الذي تبين انه قتل، في حين لم ينبس اي من هذه الاحزاب ببنت شفة في هذا الشأن لا بل طلبوا التزام الصمت الى حين تبيان الحقائق، خلافا لاتهامهم الحزب باغتيال الياس الحصروني بعدما وثّقت ذلك كاميرات المراقبة، وخلافا ايضا لجريمة قتل لقمان سليم.
كل ذلك يدور على ارض الوطن في ظل قحط سياسي وعجز تام عن انتخاب رئيس جمهورية بفعل تمترس الفريق اياه خلف مرشح لا يحيد عنه وشعاره الاوحد المُضمر “مرشحنا او لا رئيس” وقد اضاف اليه ربط الاستحقاق بحرب غزة. قرار سمعه قيادي سيادي اجرى اخيرا تقييما شاملا للاوضاع مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، في اطار استباقي رؤيوي لما قد يتحول اليه الشرق الاوسط الجديد واي عنوان سيعطى لهذا التغير. واكد بري بحسب ما ابلغ القيادي المشار اليه “المركزية” ان لا انتخابات رئاسية قبل وقف الحرب في غزة وصدور موقف واضح من اسرائيل بأنها تلتزم وقف اطلاق النار والالية والاجراءات التي سيتم الاتفاق عليها في اجتماعات القاهرة والدوحة، ولا انتخابات ايضا الا بعد التشاور والاتفاق على مرشح توافقي والا لا انجاز للاستحقاق في المدى المنظور، وواهم من يراهن على تغيير موازين القوى قريبا للاتيان برئيس يخدم مصلحته، علما ان الرئيس بري قبل بفتح خطوط التواصل مع التيار الوطني الحر ويمضي في التشاور مع موفديه في الملف الرئاسي، وسط توقعات بإعادة تحريك الجهود الرئاسية كلها من مبادرة كتلة الاعتدال الى حراك الخماسي الدولي اعتبارا من الاسبوع المقبل بعد عطلة عيد الفطر.
اجواء غير مشجعة تدفع بالبلاد نحو مزيد من الانهيار، خصوصا انها تتزامن مع مرحلة المفاوضات الجارية للتسوية في المنطقة بعد سقوط خيار الحرب الشاملة ، استنادا الى مجمل المواقف والمعطيات المتجمعة في الافق الدولي والاقليمي ، واذا بلغت المحادثات نقطة الاتفاق وما زال لبنان من دون رئيس وحكومة فعلية ، حينها سيتلقى الضربة القاضية فتأتي التسويات على حسابه ما دام ليس مَن يُحصّل حقوقه او يفرض شروطه، وتُترجم تحذيرات اطلقها الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان منذ اكثر من عامين حول زوال لبنان…فهل يُترك لبنان “النموذج” بصيغته الفريدة الى المصير الاسود ام يتحرك الثنائي الفرنسي والاميركي لانقاذه؟