يعاني عمال لبنان جرَّاء الضائقة الاقتصادية وانهيار قيمة العملة المحلية في مقابل الدولار الأميركي من تآكل قيمة رواتبهم وضعف القدرة الشرائية.
وعلى الرغم من المساعي الدائمة بين النقابات العمالية مدعومة من الاتحاد العمالي العام، للبحث عن صيغة حلٍّ مع أرباب العمل برعاية وزارة العمل مُتسلحة بدراسات لجنة المؤشر، إلَّا أن الصيغة الأخيرة لم تحقق للعمال أهدافهم.
حيث سلكت زيادة الحد الأدنى لأجور الموظفين والأجراء في القطاع الخاص طريقها إلى الإقرار بعد الاتفاق بين طرفي الإنتاج، الاتحاد العمالي العام والهيئات الإقتصادية، على مبلغ 18 مليون ليرة تدخل في صلب الراتب إلى جانب زيادة المنح المدرسية وبعض التقديمات.
مصادر مطلعة على سير الملف قالت في حديث لـ LebanonOn إن المطالب كانت بتحديد الحد الأدنى بمبلغ 52 مليون ليرة، والرقم أتى بناءً على دراسة حول سلة كاملة للحد الأدنى للأجور.
إلَّا أن ذلك واجه رفضاً كبيراً من قبل أرباب العمل بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعزَّز بالظروف الأمنية وتطورات الجبهة الجنوبية، فالهيئات الاقتصادية تذرَّعت لعدم تمرير مبلغ الـ 52 مليون ليرة بحسب المصادر إلى تراجع الحركة السياحية والتجارية وتدهور النمو الاقتصادي نتيجة الحرب في غزة وجنوب لبنان، علماً أن القطاع التجاري بحسب الإحصائيات حقَّقَ أرقاماً مقبولة من الأعمال والأرباح في هذه الفترة.
أرباحٌ لم تُسعف العمال لتحقيق مطالبهم على الرغم من أنَّ جميع المعنيين بالأمر باتوا على قناعة تامَّة بحسب المصادر بأنَّه بناء على أرقام التضخم وتكلفة المعيشة في لبنان، لا يزال الحد الأدنى للأجور الجديد، أي الـ 18 مليون ليرة، أقل من 30% من قيمة الحد الأدنى اللازم لسدّ حاجات أسرة مؤلفة من 4 أفراد على أقل تقدير، بناءً على نتائج الدراسات التي توصَّلت إلى أن كلفة المعيشة في القرى بلغ 52 مليون ليرة شهرياً أي نحو 582 دولاراً، وإلى 71 مليون ليرة أي نحو 794 دولاراً في المدن، تتوزّع على تكاليف السكن، التعليم، الكهرباء، المياه، ضريبة البلدية، الاتصالات، السلة الغذائية، الملابس، المواصلات والتدفئة، دون احتساب الكلفة الصحية التي باتت باهظة جداً وبالدولار الأميركي.
وتقول المصادر إنَّ أرباب العمل يؤيدون زيادة تدريجية للرواتب، بناءً على دراسات لجنة المؤشر، لتصحيح الخلل في الرواتب التي تتآكل في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، لكن لهم أسبابهم في تأخير ذلك بناءً على وضع لبنان الأمني، وهنا ظهر التفاوت واللاعدالة في الرواتب، حيث قامت مؤسسات عدة بصرف رواتب العاملين لديها بالدولار، لاسيما المؤسسات التابعة لإدارات خارج لبنان أو تلك الممولة من دول خارجية، بالإضافة إلى مؤسسات محلية تصرف جزءاً من الرواتب بالدولار والآخر بالليرة اللبنانية، لكن الثابت عدم بلوغ مجمل الرواتب القيمة التي كانت عليه في السنوات التي سبقت الأزمة.
خلف أبواب لجنة المؤشر، وتسريع التسويات، ينتظر العمال تباشير جديدة للوصول إلى رواتب عادلة، فهل سترضى الهيئات الاقتصادية ببلوغ الحد الأدنى للأجور مبلغ 52 مليون ليرة لحظة انتفاء الأسباب التي تذرَّعت بها؟ أم أنَّ الأمر لا يعدو كونه مجرَّد تمرير للوقت؟ وحتى ذلك الحين فإنَّ الحلَّ بحسب المتابعين يتجلَّى بالامتثال للجنة المؤشر بحيث تتمّ زيادة الرواتب بشكل دوري بناءً على معدلات التضخم كما يحدث في غالبية دول العالم التي نجت من النهج اللبناني في سُلم الرواتب والأجور.