بالصورة: فضائح “بالجملة” تُحرّك التفتيش.. فمتى تتحرّك النيابات العامة؟

اذا قُدّر للفساد ان يتجسّد في رجل فإنّه يتجسّد بانطوان جبارة المخلوع من رئاسة بلدية الجديدة ـ البوشرية ـ السد، بعدما ذاع صيت فساده في «المعمورة اللبنانية» وضواحيها.

فقمة الفساد وإساءة الأمانة ان يسطو على الأملاك العامة ومال الدولة، الذي هو مال الناس اولاً واخيراً، من يكون مؤتمناً عليه، فيكنزه بـ«الكاش» او يسيله ممتلكات وعقارات وايجارات «ما أنزل بها من سلطان» و«لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت»… كما هي حال جبارة الذي كبرعلى الناس وتكبّر وتجبّر بعدما كان نكرة متنكراً…
مسمارٌ جديد يُدّق في نعش فساد جبارة المخلوع، فبعد تطييره من رئاسة البلدية العام الماضي، التحق به ابنه سيزار الذي طار هذا الأسبوع، فيما مسلسل فضائحه في الفساد والإثراء غير المشروع، ما زال مفتوحاً برسم النيابات العامة.

فقد حرص رئيس التفتيش المركزي القاضي جورج عطية على تطبيق القانون، فوجّه كتاباً جوابياً الى محافظ جبل لبنان أكّد فيه انّ تعيين جبارة المخلوع ابنه سيزار أميناً للبلدية مخالف للقانون، وطلب توقيف جبارة جونيور عن ممارسة مهماته.

وفي التفاصيل، انّ محافظ جبل لبنان القاضي محمد مكاوي كان وجّه كتاباً الى التفتيش المركزي في 18 كانون الأول 2023 يطلب رأياً حول قانونية الوضع الوظيفي لسيزار جبارة، بناءً على شكاوى تقدّم بها الأعضاء المستقيلون من المجلس البلدي المنحلّ عبر وكيلهم المحامي رستم أبو جودة.

وقد انكشفت فضيحة تعيين أنطوان جبارة ابنه سيزار عام 2014 كعامل موقت (شرطي) لدى البلدية، ثم تحويله من عامل موقت إلى مستشار قانوني دائم عام 2016، إلاّ أنّ التفتيش المركزي حسم عدم وجود ملاك وظيفي لمستشار قانوني ضمن هيكلية موظفي البلدية.

وفي عام 2019، تمّ تحويل جبارة الابن مرّة أخرى من موظف دائم إلى مركز سكرتير البلدية (فئة 3). ولكن لم يتمّ تنفيذ هذا القرار غير القانوني إلّا بعد حلّ المجلس البلدي عام 2023. وهذه فضيحة أخرى تُضاف الى سجل فضائح جبارة المخلوع.

وخلص التفتيش المركزي إلى أنّ قرار تعيين جبارة الابن سكرتيراً للبلدية قد صدر مخالفاً للقانون، وذلك للأسباب الآتية:

ـ لم يتوافق قرار تعيينه الرقم 2019/633 مع نظام موظفي بلدية الجديدة ، وتحديداً المواد 117، 49، و 52 منه.

ـ والأهم من ذلك، أنّه خالف المادتين 7 و 16 من النظام. وتنص المادة 7 على ضرورة اجتياز المتقدّمين للوظيفة امتحاناً تنافسياً، فيما تنص المادة 16 على وجوب صدور قرار تعيين رئيس القسم عن وزير الداخلية والبلديات. ولأنّ جبارة جونيور لم يعيّنه وزير الداخلية، رأت هيئة التفتيش المركزي أنّ القرار صادر عن جهة غير مختصة. واعتبرته «كأنّه لم يكن».

على طريقة «غوار الطوشة»

وكان الأعضاء المستقيلون من البلدية تقدّموا عبر وكيلهم المحامي رستم أبو جودة بشكاوى عدة لدى وزير الداخلية والبلديات ومحافظ جبل لبنان لإلغاء مخالفة جبارة الذي طُرِد من الباب ليُدخل ابنه من الشبّاك إلى أمانة البلدية على طريقة مسلسلات «غوار الطوشة».

على انّ القضية لم تنته عند هذا الحدّ، إذ انّ جبارة الذي أفلت، حتى الآن، من المحاسبة ودخول السجن، لن يصمد طويلاً على رغم ما يُنفق من مال حرام على أولاد الحرام (وهم معروفون) لمساعدته، لأنّ المخالفات والارتكابات وثوابت الإثراء غير المشروع ما زالت موثقة عليه، وبرسم النيابة العامة، لتبادر الى وضع يدها على هذه الفضائح وتحقّق العدالة.

وكان سبق للمحافظ ان رفض المصادقة على قرار جبارة الأب بتعيين ابنه المخالف للقانون، الرقم 632 /2019، وأبلغ ذلك الى وزير الداخلية السابق الذي تجاوز القانون وخالفه.

وكذلك، كانت المديرة العامة للإدارات والمجالس المحلية بالتكليف فاتن أبوالحسن أصدرت وثيقة إحالة الى وزير الداخلية جاء فيها: مع مطالعة رئيس الدائرة الحقوقية بالتعاقد المؤرخة في 24-5-2023، واقتراح إعادة الملف الى البلدية لأخذ العلم بعدم توافق القرار الرقم 633 /2019، (تعيين جبارة) مع أحكام موظفي البلدية.

ماذا يقول المحامي أبو جودة؟

ويكشف محامي أعضاء المجلس البلدي المستقيلين رستم ابو جودة لـ«الجمهورية»: «اننا بعدما تقدّمنا بشكوى لدى وزارة الداخلية، وأجرت الدائرة القانونية في الوزارة دراسة للملف، وجاء الجواب أنّ جبارة خالف القانون، لم يتخذ وزير الداخلية آنذاك محمد فهمي الموقف المناسب، فتقدّمنا بشكوى مباشرة أمام محافظ جبل لبنان القاضي محمد مكاوي الذي أحال الملف للتفتيش المركزي برئاسة القاضي جورج عطية. بدورنا توجّهنا الى التفتيش المركزي وتقدّمنا بشكوى جديدة إضافية وبالموضوع نفسه، وضممناها الى الشكوى السابقة، مع كافة المستندات، بصفتنا الوكلاء عن الأعضاء المستقيلين، فحسم رئيس التفتيش المركزي المسألة، وأثبت انّه ما زالت هناك دولة وشفافية ومحاسبة».

مسلسل فضائح جبارة

وإلى ذلك، فإنّ مطامر ومكبات للردم والنفايات، حولت شاطىء المتن مُجمّعاً للقمامة التي تحولت ثروة في جيب جبارة.

المطمر المكبّ

مطمر الجديدة الذي حوّله متعهد الردم والنفايات جبارة باب رزقٍ له ولمن حوله. فكلّف خ. د. بالوقوف ناطوراً عند مدخل المطمر الذي تحول مكباً للردم من الورش، حيث كان يتقاضى بين 100 و 200 دولار من الشاحنة الواحدة من مئات الشاحنات يومياً وعلى مدار عامين، جمع خلالهما ثروة إضافية لجيبه.

تأجير الطريق العام

ثلاثون ألف دولار شهرياً بدل إيجار الطريق العام البحري الذي تحول موقفاً لخدمة ش. أ. وشركات تجارية ولا يزال. والمال (كاش أو هدايا) يتدفق اسبوعياً على سيزار جبارة بلا حسيب ولا رقيب، والتسليم تحت جسر الـ city mall وللحديث تتمة….

السوق السوداء

لم يكتفِ جبارة الأب والابن بالنفايات باباً لثروتهم غير الشرعية، بل استغلا الأزمة الحادة التي ضربت سوق المحروقات، مستفيدين من وقوع معظم شركات تسليم المحروقات في نطاقهما البلدي، حيث نظّما تظاهرة كان ظاهرها المطالبة بحقوق الناس، فيما حقيقتها كانت الضغط على الشركات وابتزازها لكي تسلمهم كميات كبيرة من المحروقات بحجة مولّدات البلدية والمنشآت التابعة لها والمستوصفات والمراكز الاجتماعية، ليتبين انّ كل هذه الكميات صبّت في محطة جبارة الخاصة لتُباع في السوق السوداء، بحيث كانت تشتري الطن بمبلغ 259 دولاراً لتبيعه بـ 1150 دولاراً في عزّ الأزمة وحاجة الناس للمحروقات ولوقود التدفئة ومولدات الاشتراك، ما انعكس غلاء في الفاتورة الشهرية. ومن هذا الملف صنع حبارة ثروة كبيرة عبر استغلال السلطة وعلى حساب الناس.

بناية الساحة

ومن لا يريد ان يتكلّف عناء البحث عن ملفات جبارة وفساده، يكفيه فقط ان يقف في ساحة الجديدة وينظر بأم العين الى البناية المقابلة لمبنى البلدية، ليكتشف أنّها بُنيت من مواد البناء نفسها الموجودة في المبنى البلدي، فيظن من الوهلة الأولى أنّها بناء تابع للبلدية، قبل ان يكتشف أنّها مبنى خاص لجبارة وكل ما فيها مطابق للمواصفات والالوان والأصناف نفسها الموجودة في البلدية، و«المعنى بقلب الشاعر».

المدينة الصناعية

وفي المدينة الصناعية يبرز اسم ك. و. الذي يفرض الخوات ويحصر بيده توزيع الاشتراكات من الكهرباء الى «الدش» والمياه، وكل ما يحتاجه الصناعي الذي لا حول له ولا قوة ولا مفرّ الّا الرضوخ لـ«فرخ» الفساد سيزار.

الصيدلية

اما الصيدلية فهي الشمّاعة التي ينسب جبارة اليها ثروته، فمن يصدق أنّ صيدلية عادية تحقق له كل هذه الثروة المتوحشة الفاحشة وتبني له القصور والبنايات والسيارات بعشرات ملايين الدولارات، ناهيك عن العقارات، ولها تتمة.

وهذه الصيدلية تملكها زوجة سيزار، وتحتكر إعطاء الادوية للشرطة والموظفين والتوقيع على بياض وبلا فاتورة شرطاً للتسليم. فالموظف يتسلّم علبة دواء واحدة وتتمّ فوترة 10 علب على اسمه، وإذا حاول الاستفسار أو الاعتراض فلن يحصل على علبة ثانية. فهذه هي الصيدلية التي يدّعي سيزار أنّها صنعت ثروته ومكّنته في عزّ الازمة من قيادة سيارة جيب كهربائية من نوع «بورش» يفوق ثمنها الـ 150 ألف دولار.

فواتير الصحة

اما في فضائح فواتير الصحة وفسادها فابحث عن الموظف ج. خ، لتكتشف الفواتير الوهمية اليومية للأدوية والاسنان وأقساط المدارس الخاصة بسيزار ووالده، بقيمة تراوح بين 40 مليوناً و150 مليوناً، فيما يمنن الناس بالتنازل عن معاشه الشهري بدل وظيفته غير الشرعية لصندوق البلدية. هذا في العلن، أما في السر فهو يعيش على فواتير وهميّة بعشرات الملايين، ستكون قريباً موضع محاسبة وتدقيق، ومنها فواتير وهمية بقيمة 40 مليون ليرة كل يومين أو ثلاثة، باسم أنطوان جبارة الذي ما زال يستفيد من الطبابة بصفته رئيس دائرة الصحة، وفواتير بمئات ملايين الليرات بدل معالجة أسنان وأقساط مدرسية لأولاده في المدارس الخاصة تتراوح بين 5 و 7 آلاف دولار.

المهندس

ويشكّل المهندس أ. ر. قريب سيزار حلقة من سلسلة الفساد في عهد جبارة البائد، هو الممر الإلزامي لتغطية كل الملفات والمخالفات. يقول أحد عناصر الشرطة: «يرسلنا سيزار لإيقاف المخالفات ويعطينا التوجيهات بربط أصحابها من الشركات الدسمة، خصوصاً بقريبه المهندس أ. ر». ويعمل هذا «المهندس» المخالفات على «تسوية الأوضاع» مقابل رشاوى مالية ضخمة.

تأجير الرصيف

وعلى قاعدة «فرخ البط عوام» تفنن سيزار جبارة في أنواع الفساد وأساليبه، الى درجة انّه أجّر «الرصيف» في شارع «الالمازة» الذي هو ملك العام، ليصبح سوق خضار يشغله مستثمرون من التابعية السورية، يقومون بالمضاربة غير الشرعية على أبناء المنطقة… إذ أُقيمت على هذا الرصيف خيمة كبيرة لبيع الخضار، وذلك بالقرب من صيدلية زوجة سيزار المحظوظة.

العقارات

ومن العقارات التي تملّكها جبارة في إطار الإثراء غير المشروع، على سبيل التذكير:

لا تُعدّ ولا تُحصى

وإلى كل ذلك، هناك فضائح وملفات أخرى تكاد لا تُعدّ ولا تُحصى. فجبارة المخلوع الذي دخل الشأن العام عام 1998 رجلًا أقل من عادي بمقدرات أقل من متواضعة، كدّس الملايين من الدولارات والعقارات عبر الفساد والإثراء غير المشروع، وما زال يتباهى بأنّه يشتري القضاء والاعلام، لذلك لم يتحرك أحد لملاحقته. فمتى سيتحمّل القضاء مسؤوليته ويوقف هذا الفيلم الهندي الطويل؟

قريباً مسمار ثالث في نعش فساد أنطوان جبارة المخلوع.