اخبار محلية

4 عوامل وراء خفض استهلاك الكهرباء 35%… ماذا عن الفاتورة؟!

ليس معلوماً بدقة حتى اليوم حجم استثمار اللبنانيين بالطاقة المتجددة، التي تحوّلوا إليها في السنوات المنصرمة بكثرة، وإن كانت آخر الإحصاءات تشير الى أن الاستثمار السنوي في قطاع الطاقة الشمسية الكهروضوئية ارتفع من 2.3 مليون دولار في عام 2010 إلى 138.8 مليون دولار في عام 2020، فيما شهدت الاستثمارات التراكمية في هذا القطاع نمواً بنسبة 693% في العامين التاليين وبلغ مجملها 1.1 مليار دولار في نهاية عام 2022.

ولكن اتجاه اللبنانيين نحو الطاقة الشمسية، ليس باندفاع بيئي انسجاماً مع الثقافة البيئية العالمية الحديثة، بل لسببين رئيسيين هما تزايد الانقطاع المستمر لكهرباء لبنان من جهة، وفاتورة استهلاك كهرباء “الموتور” المهلكة للجيوب من جهة أخرى، خصوصاً بعد الانهيار الأخير للمداخيل والليرة، وجنون الدولار.

وفق ما يؤكد وزير الطاقة وليد فيّاض لـ”النهار”، فقد “انخفض استهلاك المواطنين للطاقة نحو 35% اي إن سوق الطاقة انخفض من 14 مليار كيلوواط ساعة في 2021 الى 10 مليار كيلوواط ساعة في 2022، ويتوقع أن يقارب 10 مليار كيلوواط ساعة في عام 2023”. فياض عزا نسبة الانخفاض الى 4 عوامل أساسية، هي الانكماش المالي والاقتصادي للبنانيين، ورفع الدعم عن المحروقات وكذلك عن تعرفة الكهرباء بما أدى الى ارتفاع الأسعار أكثر من 70 مرة، واستخدام الطاقة الشمسية، وعدم توافر الكهرباء بشكل مستدام. ولا شك في أن رفع الدعم عن أسعار الكهرباء أعطى سوق الطاقة النظيفة والمتجددة دفعاً كبيراً، ما جعل حجم مشاريع الطاقة الشمسية المنفذة يتخطى عتبة الـ1500 ميغاواط في حلول حزيران 2024.

صحيح أن الإحصاءات متعددة ومختلفة في بعض الأحيان، بيد أن جميعها تؤدي إلى نتيجة مشتركة واحدة وهي: أن ثقافة استهلاك الطاقة في لبنان تغيّرت، واللبنانيون باتوا مؤهلين أكثر للتعامل مع تقنيات وآليات الطاقة المتجددة، وأكثر تفهّماً لضرورة الانخراط في “الاختراع” العالمي الجديد، لضرورات تبدأ من تأمين حاجاتهم اليومية والاقتصادية من الطاقة، ولا تنتهي عند الاقتصاد في فاتورة الاستهلاك التي باتت أغلى الفواتير الشهرية بعد المرض دون منازع.
بيد أن انخفاض كمية استهلاك الكهرباء، لا يعني حكماً انخفاضاً في الفاتورة، فدولرة الفوترة في كهرباء لبنان والمولدات على حد سواء، وضعت المواطن أمام خيارين، إما التزام التقنين وضبط الاستهلاك، أو دفع الفاتورة المدولرة بما لا طاقة لمداخيله على تحملها، لذا لجأت الغالبية الساحقة إلى الخيار الأول، ما أعطى اللبنانيين امتيازاً لم يتقصّدوه، في النجاح بتطويع استهلاك الطاقة وخفض استخدامها وفاتورتها.

“الحاجة أمّ الاختراع” يقابلها لبنانياً ضيق ذات اليد، وموت كهرباء الدولة السريري، وهما السببان الأساسيان اللذان دفعا اللبنانيين إلى اعتناق ثقافة التقنين في الاستهلاك، والتعوّد على الاعتدال في استخدام المتوفر منها ووقف الهدر الذي اعتادوه أيّام الدعم المشؤوم للكهرباء، حيث كان الكيلوواط ساعة الواحد يساوي نحو 2 سنت.

مع ذلك، لم ينه التوجّه الكهربائي الجديد للبنانيين مأزق ديمومة الطاقة لديهم، ولا أخرجهم الإنتاج الخاص للكهرباء من الحاجة المستمرة لمصدر احتياطي آخر بديل للطاقة، يؤمّن حاجتهم عند تبدّل المزاج المناخي، وتقلب الطقس بين ماطر ومثلج وضباب وغيره، حيث لا يمكن في تلك الظروف المناخية إنتاج ما يكفي من حاجة المستهلك، وهو ما دفع الكثيرين للإبقاء مجبرين على اشتراك مولّد الحيّ قائماً درءاً للانقطاع الدائم.

ووفق الوزير فيّاض فإن سوق الطاقة الشمسية شهد نمواً جيداً بين عامي 2010 و2020 خصوصاً على مستوى تسخين المياه على الطاقة الشمسية، بدليل أن مساحة أنظمة تسخين المياه على الطاقة الشمسية ناهزت 900 ألف متر مربع على كامل الأراضي اللبنانية. كذلك شهد سوق إنتاج الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية والمراوح نمواً ملحوظاً خصوصاً مع رفع الدعم على المشتقات النفطية، فالطاقة النظيفة المنتجة حالياً في لبنان هي أقل كلفة، إذ تصل كلفة إنتاج الكهرباء في مؤسسة كهرباء لبنان إلى نحو 14 سنتاً أميركياً لكل كيلوواط ساعة، فيما تصل كلفة إنتاج الكهرباء من المولدات الخاصة إلى نحو 30 سنتاً أميركياً لكل كيلوواط ساعة، وتصل كلفة إنتاج الكهرباء من الطاقة النظيفة وأبرزها الشمسية حالياً إلى نحو 6 أو 7 سنتات لكل كيلوواط ساعة.

وتشير أرقام مؤسسة الكهرباء إلى أن عدد المواطنين الذين أوقفوا عدّاداتهم واستغنوا “موقتاً” عن كهرباء الدولة أقل من 1%، فيما لجأ البعض الى تصغير حجم العداد وهذا أمر جيد برأي فياض لخفض حجم استثمارات وزارة الطاقة بالكهرباء، لافتاً الى أن خسارة مؤسسة الكهرباء كانت 1.7 مليار دولار عندما تسلمت وزارة الطاقة، أي بما يوازي نحو 24 مليار دولار منذ عام 2010 حتى اليوم.

ماذا عن الإيرادات بعد رفع التعرفة؟ يقول وزير الطاقة إن الإيرادات مرتبطة بالتعرفة وبالفوترة وهي تقدّر حسب مؤسسة الكهرباء بين 40 و50 مليون دولار شهرياً، من دون احتساب الكهرباء غير المفوترة (الهدر الفني 15%)، وهدر غير فني مرتبط بالتعدي على شبكة الكهرباء (25%)، علماً بأن الجباية تقدَّر بين 85 و90%.

رئيس المركز اللبناني لحفظ الطاقة المهندس بيار الخوري عزا انخفاض الطلب على الطاقة المستمدة من “كهرباء لبنان” الى توجه الناس نحو الطاقة الشمسية، ووعي الناس لموضوع ترشيد استهلاك الطاقة، والقمع الطاقوي الذي يشير الى عدم قدرة المستهلك على دفع تعرفة الكهرباء العالية، وغلاء أسعار الوقود، وارتفاع أسعار مشاريع الطاقة الشمسية. وبرأيه فإن “القمع الطاقوي” هو موقت، على اعتبار أنه عندما تتحسن الأوضاع المادية للمستهلكين سيعاودون الاستهلاك كالمعتاد”. وأكد أن عام 2022 كان عاماً استثنائياً لجهة الإقبال على تركيب أجهزة الطاقة الشمسية، إذ تم تركيب 663 ميغاواط، ليعود الطلب وينخفض عام 2023 الى أقل من 400 ميغاواط، أما في 2024 فإن توقعاتنا تشير الى تركيب ما لا يزيد عن 300 ميغاواط”.

عدا عن ذلك، فإن عدم توافر الكهرباء حفز الكثير من القطاعات الى اللجوء الى الطاقة الشمسية وخصوصاً القطاع المنزلي، وفق ما يقول خوري، إضافة الى أن أسعار الطاقة الشمسية (7 سنتات) تبقى أوفر مقارنة مع أسعار كهرباء الدولة (27 سنتاً) والمولدات (37 سنتاً). وإذ أكد أن أسعار الطاقة الشمسية لا تزال مرتفعة لذا يقتصر تركيبها على اللبنانيين المقتدرين مادياً، أشار الى ضرورة تحفيز تأمين القروض للمواطنين لتشجيعهم على تركيب الطاقة الشمسية بدل الاتكال على المولدات و”كهرباء الدولة”.

ووفق التقرير الأخير للمركز اللبناني للطاقة، فقد انخفض استهلاك الكهرباء في لبنان بنسبة 29% بين عامي 2021 و2022، حيث بلغت مساهمة ارتفاع نسبة مصادر الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء من 6.3% عام 2021 إلى 20% عام 2022. وأسهمت قدرة الطاقة الشمسية الكهروضوئية المركبة بنسبة 2.2% و12.6% من منظومة توليد الكهرباء لعامي 2021 و2022 على التوالي.

وبلغت القدرة المركبة للطاقة الشمسية الكهروضوئية في لبنان 0.3 ميغاواط في عام 2010، وزادت على مدى عشر سنوات لتصل إلى 92 ميغاواط بحلول عام 2010.

وتم تركيب 777 ميغاواط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية في عامي 2021 و2022، أي ما يعادل معدّل نموّ قدره 842% من إجمالي الطاقة الشمسية الكهروضوئية، فيما ارتفع الاستثمار السنوي في قطاع الطاقة الشمسية الكهروضوئية من 2.3 مليون دولار عام 2010 إلى 138.8 مليون دولار عام 2020.

وفيما تتجه وزارة الطاقة والمياه نحو المزيد من تكنولوجيات الطاقة النظيفة المستدامة والصديقة للبيئة، إذ إن لبنان وفق ما يقول وزير الطاقة “جاد في مسار التحوّل إلى طاقة مستدامة أقل كلفة من الطاقة الأحفورية وهو شريك في محاربة ظاهرة التغير المناخي”، ارتفعت الوفورات المقدرة في الانبعاثات من جميع مشاريع الطاقة الشمسية الكهروضوئية في لبنان من 377 طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنوياً في عام 2010 إلى 1,937,182 طن ثاني أكسيد الكربون في عام 2022. وأدت الزيادة في تنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية الكهروضوئية بين عامي 2020 و2022 إلى زيادة الوفورات التراكمية المقدرة بنسبة 779%.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى