لبنان بين فسادين!

المشكلة في الفساد انه “ينخر إيمان المواطن بالديمقراطية، ويقلل من دوافع الابتكار والإبداع” وفق الرئيس بايدن. منظّمة الشفافيّة الدوليّة، أعلنت بداية العام الحالي نتائج مؤشّر مُدرَكات الفساد لعام 2023 في العالم، فحلّ لبنان في المرتبة 149 من أصل 180. ما يدعونا الى معالجة سريعة للوضع. بحسب التصنيف، معظم الدول الفقيرة فاسدة، وهذا صحيح. لكن هل يعقل ان تكون دول العالم الأول نقية والدول الأقل نوما بؤرا للفساد؟
اعتبر(2024)Ang استاذ الاقتصاد السياسي في جامعة جون هوبكنز (Project Syndicate) بأنّ التصنيفات التقليدية للفساد العالمي متحيزة وأحادية ومضللة وضارة. اذ انّ البلدان الغنية ليست فوق الشبهات. “فما يقاس يؤثر على أهمية وماهية ما يتم قياسه”. وأشار الى انّ وجود معايير ومقاييس خاطئة تؤدي الى تشجيع تحقيق اهداف خاطئة. فبحسب مقالته الدول الغنية ليست نظيفة كما انّ الدول الفقيرة ليست لوحدها أوكارا للفساد. فالفساد لا يختفي مع التطور بل يمسي أكثر تعقيدا ومسألة تتبعه أكثر صعوبة. طبعا اكلاف تبادلنا عالية وتلتهم الكثير من الأرباح الاقتصادية، لكن العدالة والفعالية الاقتصادية تعطل ديمقراطيتهم.
ثمة فساد للفقراء فاضح، وفساد للنخب مقنع في قواعد وقوانين. اوليس عدم عدالة الضرائب وتوسع الفجوة بين مكوّنات المجتمع بسوء توزيع الثروات فسادا؟ اوليس تصميم الضرائب والقوانين وفق مقتضيات تبادل الخدمات بين النخب وتحقيق أرباح غير مشروعة جراء امتلاك المعلومات والقدرات فسادا؟
الشركات الكبيرة تفرض قواعدها وتتبارز مع الدول، وقد تواجهها فتستخدم منظومة التشريعات الدولية لتجابه القوانين المحلية إذا ما اقتضت ربحيتها. الأغنياء وشركاتهم هم اللاعبون الأبرز على ساحة العمل السياسي. والخط الفاصل بين الديمقراطية والسوق اختفى. القوة الاقتصادية تتمركز أكثر عند قلة تصنع القرارات. وهذا لا يؤدي الى الفعالية الاقتصادية بل الربحية الخاصة. فساد الأغنياء مقونن اما فساد الفقراء فمكشوف وملاحق. في لبنان كما عالميا، النخب تسرق لكن بالقوانين. اما غالبية الفقراء فتسرق في الدولة او الشارع بالحرام، فيسجنون.
في لبنان فشلان متعارضان يعملان بشكل منفصل في نفس الوقت في اقتصادنا. فالخسائر الناتجة عن تعطيل الإدارات جراء درء الفساد ومكافحة الموظفين المرتشين وزجهم في السجون يؤدي الى انكماش الإنتاج إلى ما دون مستويات الكفاءة في إدارة الدولة. يقابل ذلك خسارة جراء زيادة إنتاجية الإدارات جراء تزايد سرقة الفقراء عبر تقاضي الرشى والبرطيل، مما ينتج ضررا جراء ارتفاع اكلاف التبادل. ثمة درجة من الضرر الهامشي الذي يحقق التوازن ما بين الفشلين ويجعل الاقتصاد أكثر كفاءة في ظل الظروف الحالية، وهذا ما يتوجب تحديده.
مواجهة الفشل الناتج عن سرقة الفقراء في الدولة سهل إذا ما حرموا من دعم النخب. اما الفشل الناتج عن تبادل المصالح بين النخبة على حساب الشعب والفقراء، فهو الاصعب. من مهام الدولة (North ،2016) خفض تكاليف المعاملات بتوفير الأطر المؤسسية والبنى التحتية اللازمة، وتحفيز الجيّد ومعاقبة السيئ، وتأمين وسائل للخروج من الازمات. وهذا تنظير في بلد كلبنان، من يكافح ماذا او من؟ مما يطرح الكثير من التساؤلات حول مدى جدوى استمرار الصيغة الحالية. في “رسالة من سجن برمنغهام” (1963) كتب لوثر كينغ قائلا: “الظلم في أي مكان يمثل تهديدًا للعدالة في كل مكان”. ظلم ما يحدث لنا. وحل تحدياتنا الاقتصادية يبدأ بإزالة الظلم وتحقيق المساواة عبر نظم مؤسسية بديلة. فيحاسب الجميع. أسوأ من الازمة اللا مبالاة بالأزمة.