لا يمكن قراءة التصعيد العسكري الذي تقوم به إسرائيل على جبهة جنوب لبنان، او التصعيد اليمني الذي تمثل بإستهداف تل ابيب واعلانها مدينة غير آمنة، الا من باب المفاوضات الحاصلة بين حركة حماس المستندة على حلفائها في المحور، وبين إسرائيل، اذ من غير الممكن الاقتناع ان اي طرف من الاطراف المقاتلة اليوم، بإستثناء شخص رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، يريد التصعيد والذهاب الى حرب شاملة في هذه المرحلة بعد ان اصاب الانهاك الجميع في الاشهر العشرة الماضية.
يبدو ان رفع سقف القتال او الاشتباك على اكثر من جبهة، سيؤدي بشكل حاسم إلى ترجيح كفة هذا الفريق على الآخر خلال المفاوضات وهذا ما يدركه الجميع، وعليه بات اللعب على حافة الهاوية لتحسين الشروط التفاوضية خصوصاً أن إسرائيل غير قادرة على تقديم التنازلات التي تطلبها حماس وفق الظروف الحالية، وحماس غير قادرة على التسليم بالمطالب الإسرائيلية غير الواقعية، من هنا يصبح النقاش عن شكل التصعيد المرتقب وليس عن موعد التسوية، اذ ان احتمالات الحل ستبقى منخفضة ما دامت الاطراف تجد نفسها قادرة على تحسين واقعها الميداني والعسكري اذا استمر القتال لفترة اضافية.
تؤكد مصادر مطلعة أن احدى النظريات التي باتت مطروحة لدى الجبهات المساندة لحماس مقلقة، اذ ان هؤلاء وبعكس المتوقع قد يلجأون الى التصعيد في حال ذهبت إسرائيل الى المرحلة الثالثة في غزة، اي انهم لن يقابلوا خفض التصعيد في القطاع بخفض تصعيد الجبهات على قاعدة ان اسرائيل، في حال تراجعت في غزة، ستكون قادرة على المماطلة اكثر وعلى عدم عقد اي اتفاق مع حماس وهذا يعاكس الهدف الاساسي لكل من يدعم الحركة، وعليه فإن التصعيد بات شبه حتمي،سواء تصاعدت المعارك في غزة ام تراجعت.
وترى المصادر أن قصف تل ابيب حدث له ما قبله وما بعده، خصوصاً أنه اتى من الجبهة اليمنية التي لا يمكن لاسرائيل ردعها او القيام بأي عمل عسكري حقيقي ضدها، من هنا بات الحديث عن ازمة فعلية وقع فيها نتنياهو قبيل زيارته الى الولايات المتحدة الاميركية التي تعمل بشكل علني على اقناعه ايقاف الحرب، لذا فإن حجتها اليوم باتت اكبر وأقدر على ردع جنون نتنياهو وتكريس معادلة الذهاب الى حل سياسي تفاوضي مع حماس والاكتفاء بالانجازات التكتيكية التي تم تحقيقها في القطاع، على اعتبار ان الاستمرار في المعركة سيؤدي الى خسائر استراتيجية.
امام هذا الواقع سيكون التحدي الاساسي هو ايقاف الحرب قبل الانتخابات الاميركية ومنع نتنياهو من تفجير المفاوضات خلال الايام المقبلة من واشنطن، وعليه قد يكون التصعيد وادخال اسلحة جديدة احدى ادوات الضغط الفعلي وايصال قيادات الجيش الاسرائيلي والاستخبارات لاعطاء توصيات حاسمة بضرورة التوصل الى حل نهائي وسريع وهذا الامر سيكون مرتبطا بشكل وثيق بالقرار الاميركي في ظل العلاقة العضوية بين الدولة العميقة في واشنطن وبين الجهات الامنية والعسكرية في اسرائيل.
تعمل إسرائيل ضمن جناحين،الاول عسكري بات ميالاً الى ايقاف المعركة ويتقاطع بذلك مع الاميركيين، والثاني سياسي بات نتنياهو يسيطر عليه بالكامل ولا يريد ايقاف الحرب بإنتظار فوز الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب بالمعركة الانتخابية في الاشهر الاخيرة من العام الحالي. السؤال الاساسي اليوم يتركز في كيفية ردّ اسرائيل على المسيّرة اليمنية، وهل ستعتمد سياسة الاحتواء، ام ان نتنياهو سيستغل هذا التصعيد للردّ على ايران بشكل مباشر بإعتبار أن المسيرة ايرانية الصنع وعندها ينسف أي إمكانية للتسوية في المدى المنظور؟
ليبانون 24