بعد 15 عاماً من القبض على داتا وزارة التربية، وعشرة أشهر على انتهاء عقده، استقال مدير وحدة المعلوماتية في وزارة التربية (من خارج الملاك) توفيق كرم من منصبه أخيراً، مبرّراً ذلك بصعوبة الاستمرار في العمل نتيجة «الظروف الصعبة» التي تحيط به، وما سمّاها «الضغوط والتجنّي والافتراءات من داخل الوزارة» التي منعته من «الإيفاء بواجباتي المهنية». وأتت الاستقالة بعد ضغوط مورست لوضع حدّ لمخالفات الرجل الكثيرة للقوانين.قبول وزير التربية عباس الحلبي استقالة كرم، وتكليفه الموظفة في ملاك المديرية العامة للتربية هويدا خليل بمتابعة سير العمل الإداري في الوحدة، يعدّ خطوة على طريق إعادة الأمور إلى نصابها، لكون الوزارة والتفتيش المركزي يستطيعان مراقبة موظف الملاك ومحاسبته. إلا أن خطوة الاستقالة غير كافية ما لم يُحاسب المستقيل على المخالفات التي ارتكبها، وفي حال سارت الأمور في المسار المعتاد، حيث يبقى موظفون في مناصبهم عشرات السنوات، ويستغلّون نفوذهم لبناء «إمبراطوريات»، كما هي حال كرم، ثم يخرجون من الوظيفة ويمضون إلى حال سبيلهم، من دون أن أيّ مساءلة.
وكان عقد كرم مع منظمة «اليونيسف» قد انتهى منذ نحو 10 أشهر. لكن «الإمبراطور»، كما يُعرف في الوزارة، بقي في منصبه بموجب مذكرة داخلية من الحلبي نفسه، رغم أنف المنظمة التي توظفه، بذريعة الحاجة إلى استمرار وحدة المعلوماتية في تدقيق الإجراءات الإدارية التي تؤمن انتظام سير العمل في الوزارة. كما لم يسمح وزير التربية لأستاذ التكنولوجيا في جامعة البلمند ريان حلاوي، الذي تعاقدت معه «اليونيسف» للحلول محل كرم، بتسلّم مهامه. وعلمت «الأخبار» أن الحلبي ينوي تعيين حلاوي في الوحدة بصفة خبير.
طوال عمله في الوزارة، نجح كرم في «التربيط» مع الموظفين المدعومين من كل القوى السياسية، ونجح في «التشبيك» مع الشركات الخاصة التي ترسو عليها المناقصات للمشاريع الدولية. وهذه المناقصات لم تكن تتم بالطريقة الرسمية، بل كانت أشبه باتفاقات بالتراضي. وبيّن اختراق البريد الإلكتروني لكرم أخيراً أن أحد أقاربه، ش. غ. وهو صاحب شركة معلوماتية، سرّب لكرم شروط المناقصات التي تعتمدها شركة «مايكروسوفت» في وزارتَي التربية في الأردن والمغرب، ليربح ش. غ. أكثر من مناقصة لمشاريع دولية، ومن بينها مناقصة صيانة البنى التحتية لشبكة المعلوماتية في الوزارة، قبل أن يصبح عضواً مقرراً في اللجنة التي تختار الفائزين في المناقصات.
كما كان قريب كرم يدخل متعاقداً من الباطن في غالبية المشاريع التي ترسو على أسماء وهمية، فيما تثبت الـ«إيميلات» المخترقة دفع رشى باهظة لتمرير بعض الصفقات.
على مدى 15 عاماً، تحكّم كرم بالداتا الحساسة لكل المديريات والوحدات والأقسام، وهناك تسجيل صوتي له يقرّ فيه بأنّ لديه نسخة من إيميلات جميع الموظفين في الوزارة، وهي مخالفة صريحة للقوانين. كما يُتهم باختراق «إيميلات» مديري الوحدات في الوزارة، واطّلعت «الأخبار» على رسالة إلكترونية تؤكد اختراقه «إيميل» الموظفة المتعاقدة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ب. ع. التي استقالت من لجنة المناقصات «بعد تعرّضها للابتزاز من كرم» بحسب مصادر متابعة.
خلال ولاية وزير التربية السابق الياس بوصعب (2014 – 2016)، حاولت مسؤولة الشؤون الثقافية في الوزارة صونيا خوري إزاحة كرم من خلال السعي لتأسيس جهاز معلوماتية مستقل عنه، إلا أن هذه المحاولات انتهت بتسوية أعطت خوري بموجبها كرم 6 عقود توظيف على عدد المناطق التربوية، في وحدة التعليم الشامل التي كانت ترأسها بقيمة لا تقلّ عن 2500 دولار للوظيفة الواحدة تُقبض من الدول المانحة. كما يُتّهم كرم بأنه كان يستخدم الابتزاز مع الوزراء الذين يبرم عقوداً مع موظفين محسوبين عليهم بآلاف الدولارات، من دون أن يداوموا في الوزارة، وبالتلاعب بالبصمات بغية إلغاء عقود الموظفين وإزاحتهم من طريقه. وتلفت مصادر الموظفين أيضاً إلى «تزوير في التقارير التي كانت ترسل إلى منظمات الأمم المتحدة بدوامات الموظفين بغية التخلّص منهم عندما يكتشفون الألاعيب في وحدة المعلوماتية». وعلمت «الأخبار» أن أحد الموظفين فاز بدعوى قضائية متعلقة بتزوير دواماته رفعها ضد شركة BSO الملتزمة بالتوظيف في الوزارة، ما دفع الجهات المانحة إلى دفع تعويضات له.
فاتن الحاج-الاخبار