” أصبحنا شبهُ أموات والقبورُ لم تعدْ تتسع ” ، هكذا هو حالنا في موطنِ الفسادِ والسرقاتِ الذي يعصفُ فيهِ أزماتُ عدة، تجعل المواطن متأهباً في كلِ لحظةٍ لمواجهةِ الضرباتِ التي تقعُ على رأسهِ من كُلِ حدبٍ وصوبٍ بدءاً بفيروسٍ من هنا أو انفجارِ من هناك ، أو عدوانٍ إسرائيلي اغتالَ الطفولة وغرس في قلوبِ الجنوبيينَ خناجر اللوعةِ والحسرةِ على أبنائهم ومنازلهم ومصالحهم المهدمة ، ليبقى الموت هو الشيءُ الوحيدُ المرحبُ فيهِ بذلكَ المواطنِ ” المعتر ” الذي يشتمُ صهيونية المغتصبِ كلَ يوم ، ففاتورةُ الموتِ مكلفة ، دفعَ ثمنها أبرياء استشهدوا ، أما عن فاتورةِ الحياة ، يقع ضحيتها المواطن اللبناني الذي لا حول ولا قوة لهُ سوى المحاربةِ للعيشِ والادخارِ بعدَ تآكلِ قطاعِ السياحة . . . فلا حجوزات و ” لا من يحزنون ” هذا العام!!
بين مشهديّ الدَّمار والمنتجعات الفارغة ، تتصاعد المخاوف في جنوب لبنان من انعكاس العدوان الإسرائيليِّ المتواصل على القطاع السِّياحيِّ ويخشى أصحاب المؤسَّسات السِّياحيَّة من كساد موسمهم بعد تراجع عدد السُّيَّاح الَّذين يزورون المنطقة بحيث إنَّ خوف السُّيَّاح على سلامتهم الشَّخصيَّة جعل الفنادق ، المطاعم وبيوت الضِّيافة مسرحًا للأشباح بعدما ألقى العدوان ظلاله الثَّقيلة على مناطق عدَّة في الجنوب ممَّا هدَّد إنتاجيَّة القطاع وقطع أرزاق أبناء المنطقة.
وفي هذا السِّياق ، توقَّع علي طباجة ، رئيس الاتِّحاد اللُّبنانيِّ للنِّقابات السِّياحيَّة ، أن يكون القطاع السِّياحيُّ في جنوب لبنان في حالة شلل تامّ هذا العام بسبب العدوان الإسرائيليِّ ، مشيرًا إلى نزوح السُّكَّان من المناطق الحدوديَّة وأوضح لمصادر عدَّة أنَّ نسبة الإشغال في هذه المناطق قد لا تتجاوز 30 % إذا استمرَّت الأوضاع ، مؤكِّدًا أنَّ السِّياحة اللُّبنانيَّة ستتأثَّر بشكل كبير ، مع تراجع الحجوزات والاعتماد على اللُّبنانيِّين المغتربين الَّذين يشكِّلون 90 % إلى 95 % من الزُّوَّار المتوقَّعين.
أكثر من ذلك ، نهش الوضع الأمنيُّ ما تبقَّى من فتات المؤسَّسات الموجودة في المناطق الحدوديَّة وكما يقال ” حرق الأخضر واليابس ” ، فعلى سبيل المثال ، أكَّد محمود مهدي ، مالك مؤسَّسة ” ريف دي لا مير ” السِّياحيَّة في النَّاقورة لموقع ” الجزيرة ” ، على وقع تضرُّر المؤسَّسة بشكل متزايد وأضاف مهدي أنَّ المسبح تعرَّض للتَّدمير ولحقت بهم أضرارً مادِّيَّة ، معبِّرًا عن تفاؤلهم بانتهاء الصِّراعات بسرعة ، لكنَّهم الآن يعيشون الشَّهر الثَّامن من الأحداث المؤلمة والمتواصلة وحال محمَّد عبُّود كحال غيره ، فهو صاحب بيت الضِّيافة في وادي الحجير بجبل عامل ، وشهد على تدهور حادّ في أعماله بسبب بداية الحرب قبل 8 أشهر ، حيث أدَّى القصف المتكرِّر وخطورة المنطقة إلى إغلاق مكانهم بالكامل . في المقابل ، كان العام الماضي مليئًا بالنَّشاط والإقبال ، حيث كان يؤجِّر البيت بأسعار مرتفعة وتقدِّر خسائرهم حتَّى الآن بنحو 40 ألف دولار ، ممَّا يجسِّد الصُّعوبات الَّتي يواجهونها في استعادة الاستقرار والنَّشاط في ظلِّ الظُّروف الحاليَّة الصَّعبة.
في المحصلة, المشاهد تٌسابق المواطن وتزدحم في طابور الوطن المأزوم, واذ به يترقب ضربات الوضع الأمنَي الخاضع تحت وطأة العدوان المتكرر, و كأنه يقول له ” سأجعلك تصرخ حتى تموت وجعاً وقهراً “وسأقتل “حلم الصيف اللبنانيّ”…فوداعاً للموسم.. علهُ يوماً ما, تعود الحياة الى مجاريها, وتعود المدينة مدينة, لا مسرحاً للأشباح!
أسيل درويش: خاص “موقع ليبانون ميرور”