قبل أن تضع الحرب أوزارها وتتوقف آلة القتل والتدمير الإسرائيلية في الجنوب، لن يكون هناك إحصاء كامل ودقيق لحجم الخسائر المباشرة وغير المباشرة للحرب، وبالتالي كل ما يكتب ويحكى عن أرقام حتى اليوم يبقى من باب التقديرات ليس أكثر.
أما الأكيد فهو أن الفاتورة باهظة ويتكبدها الجنوب وأهله، مع الإشارة إلى أن عمليات القصف تدور رحاها في 55 قرية جنوبية، فيما الحياة لا تزال تجري بشكل طبيعي في سائر عروق الجنوب. وفي خضم الأرقام المتداولة بين الحين والآخر عن حجم الخسائر، يطرح السؤال عن خسائر المزارعين الذين احترقت قلوبهم على احتراق أراضيهم ومصدر عيشهم، وعن كيفية التعويض عليه.
وفيما أعلن أخيرا مدير المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي عبدالله الدردري أن «كلفة الخسائر في جنوب لبنان تجاوزت ملياري دولار وأن أكثر من 100 الف شخص قد نزحوا وأكثر من 100 ألف شجرة زيتون قد احترقت»، تفيد التقديرات عن احتراق 1060 هكتارا من أشجار الزيتون والسنديان وموسم التبغ الذي يقدر إجماليا بنحو 50 مليون دولار سنويا، وهو الذي يعتبر من المواسم الأساسية لمزارعي الجنوب.
وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن أكد في حديث إلى «الأنباء» على «مواكبة وزارة الزراعة الاعتداءات الإسرائيلية كل يوم بيومه سواء على القطاع الزراعي أو الحيواني أو النباتي أو البنى التحتية الزراعية».
وحول استخدام إسرائيل مادة الفوسفور الأبيض الحارقة والمحرمة دوليا، والتي من شأنها كما يقال القضاء على المواسم الزراعية للسنوات العشر المقبلة، قال وزير الزراعة اللبناني ان «كل هذه النظريات تبقى نظريات علمية، لكنها تحتاج إلى حقائق دامغة من خلال سحب عينات للتربة التي طالها القصف على مساحة 210 كيلومترات، وهي مهمة وليس بمقدور الحكومة ووزارة الزراعة والمختصين القيام بها في الوقت الحالي».
وأضاف: «نحن مهددون بأرواحنا وأرواح طواقمنا التي يمكن أن تعمل على الأرض، لذا هذا العمل مؤجل إلى ما بعد وقف الاعتداءات الإسرائيلية، وحينها ستؤخذ عينات من كل المناطق التي تعرضت للقصف، وستنشر نتائج الفحوصات ليبنى على الشيء مقتضاه».
وأكد الوزير الحاج حسن أن «التعويض على المزارعين الصابرين والصامدين في الجنوب والبقاع الغربي الأوسط والشمالي هو أولوية الأولويات ويدرس من قبل الحكومة، في موازاة أكثر من شكوى لبنانية رسمية ضد العدو الإسرائيلي أمام مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة للحصول على تعويضات».
وتحدث عن «مزارعين في سهل الوزاني وسهل الخيام وسهل العديسة والسهول الأخرى في شبعا، لا يزالون يعملون حتى اليوم على الرغم من القصف والقنص وغطرسة العدو، وهم ثابتون في أرضهم ومعتصمون بحقهم حتى آخر نفس».
وفي سؤال لـ «الأنباء» لرئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء الركن محمد خير عن التعويضات التي يمكن أن تقدمها الهيئة للمزارعين المتضررين جراء الحرب، قال إن «كل المهام من كشوفات وتعويضات مجمدة ومؤجلة إلى ما بعد انتهاء الحرب وإجراء المسح اللازم لتحديد من هم بالفعل المتضررون، وصولا إلى قرار من مجلس الوزراء يلحظ في حينه ما يراه مناسبا من اعتمادات للمزارعين».
وعما إذا كانت الهيئة قد قدمت أي مساعدة للمزارعين، رد اللواء خير بالقول: «لا شيء في الوقت الحاضر، ولننتظر الخطة حين يحين أوانها».
ليست المرة الأولى التي يدفع فيها الجنوب اللبناني كلفة عالية في الأرواح والممتلكات، وحين يعود مزارعوه إلى رزقهم بعد تعافي التربة سينمو كل البلد ويثمر خيرات.
ch23