اخبار محلية

التنصت الإسرائيلي على الكابل البحري: الأدلة كافية والشكوك تتزايد والملف الى الواجهة!

“النهار”- سلوى بعلبكي

لم يمرّ الموضوع الذي نشرته “النهار” في 10 تموز الجاري عن الكابل البحري القبرصي مرور الكرام على المسؤولين والمعنيين في قطاع الاتصالات، فأتت ردة فعل كل منهم متماهية مع وجهة نظر مصالحه السياسية والحزبية، وتموضعه في معادلة السلطة.

ففي حين انبرى البعض للدفاع عن الكابل، وتأكيد ضرورته لخدمة قطاع الاتصالات وحركة الاقتصاد والتجارة، متجاهلا خطورة تنصت المخابرات الإسرائيلية عليه، والتداعيات الأمنية التي يخلفها ذلك على الاستقرار العام، تلقف البعض الآخر الأمر بمسؤولية، وسعى إلى التحذير من آثاره السلبية على الأمن الوطني، وما يمكن أن يسببه من اختراق للأمن السيبراني اللبناني، وضرر على البيانات والمعلومات الخاصة والعامة، وخصوصاً تلك ذات الوجه الأمني الحساس. لذا طلبت كتلة نواب الحزب التقدمي الاشتراكي اعتبار مقال “النهار” وما تضمنه، بمثابة إخبار لدى النيابة العامة التمييزية، للتحقيق فيه والمسارعة إلى تحديد المسؤوليات والأخطار المحدقة.

توازيا، علم أن الضغوط على وزير الاتصالات نجحت في تجميد مشروع الكابل موقتا، حتى يتم إثبات العكس. وفي السياق، تعقد لجنة الاتصالات النيابية اجتماعا اليوم في حضور وزير الاتصالات جوني القرم، على أن يكون الكابل القبرصي الطبق الأساسي على طاولة اللجنة. فما المعطيات التي تزيد الشكوك حيال ذلك الكابل؟

عام 2011 تم تشغيل الكابل العابر للقارات IMEWE في لبنان، فانتقلت معظم حركة البيانات والاتصالات من لبنان وإليه، من كابل قدموس القبرصي القديم إلى كابل IMEWE الجديد، الذي لا يمر حتما في جزيرة قبرص. وتاليا، أصبح كابل قدموس القديم رديفا، ولم يعد التنصت عليه مجديا عام 2012 حين تم وضع الكابل الإسرائيلي ARIEL في الخدمة، رابطا محطتي حيفا وتل أبيب بمحطة Pentaskhinos القبرصية.

وبما أن الكابل الإسرائيلي مملوك بالكامل من الجهة الإسرائيلية، واستخدامه يتم لأغراض الحكومة الإسرائيلية، فإن ذلك يجعل من Pentaskhinos محطة فريدة من نوعها unique لجهة توفير الإمكانات الهائلة للتنصت المباشر من وحدة Unit 8200 الإسرائيلية، وهي الوحدة المتخصصة في ذلك. إذًا، هذه الإمكانات المتوافرة للوحدة 8200 في المحطة القبرصية غير متاحة إطلاقًا في محطتي الإسكندرية ومرسيليا كما يتم الترويج له.

ومنذ عام 2012، والشركة القبرصية Cyta تحاول بكل الوسائل المتاحة إعادة ربط لبنان بالمحطة القبرصية من خلال جبهتين: التسويق لضرورة إنشاء كابل جديد مع قبرص من جهة، والتسويق لضرورة شراء لبنان حصة في كابل Alexandros الذي يرتبط بالمحطة القبرصية نفسها من جهة أخرى، فيما تؤكد مصادر متابعة أن المشروعين لا يحتاج إليهما لبنان من قريب أو بعيد.

عام 2013 نجحت المساعي القبرصية مع وزير الاتصالات آنذاك نقولا الصحناوي الذي أعلن توقيع الوزارة عقد مع Cyta القبرصية لتملك حصة من سعة الكابل البحري Alexandros. كذلك أعلن توقيع مذكرة تفاهم لإطلاق مشروع إنشاء كابل بحري بين لبنان وقبرص يسمى “أوروبا”، ليحل مكان الكابل البحري CADMOS عند انتهاء الحياة الوظيفية للأخير. وكلاهما Alexandros وEuropa يرتبط بمحطة الإنزال Pentaskhinos حيث الكابل الإسرائيلي.

المشروعان جُبها بمعارضة من داخل وزارة الاتصالات، لكون كابل IMEWE سعته تكفي لعشرات السنين، وعند انتهاء خدمة كابل قدموس، من الأفضل مشاركة لبنان في كابل آخر عابر للقارات على غرار كابل IMEWE من دون المرور في جزيرة قبرص، خصوصا أن ثمة ما يفوق الـ 16 منظومة مختلفة من الكوابل العابرة للقارات تربط آسيا بأوروبا من خلال البحر المتوسط!

لم يتم تنفيذ المشروعين في حينه، واستمرت المفاوضات بين الجانبين اللبناني والقبرصي مع الوزراء المتعاقبين من دون نتيجة تذكر، إلى حين موافقة مجلس الوزراء عام 2019 على تفويض الوزير محمد شقير توقيع إتفاقية مع Cyta لإنشاء كابل “أوروبا” مجددا. وكان ذلك تحديدًا في جلسة مجلس الوزراء الشهيرة يوم الخميس في 17 تشرين الاول 2019، يوم “الثورة”، إذ أدلى على أثرها وزير الإعلام آنذاك جمال الجراح بالمعلومات الرسمية الآتية: “انتهت جلسة مجلس الوزراء بإقرار معظم البنود المدرجة على جدول الأعمال، وأهمها تفويض وزير الاتصالات بتجديد الاتفاق مع شركة “سيتا” القبرصية لمد كابل بحري جديد… وسيجدد شقير الاتفاقية ويطلقها من خلال مناقصة جديدة لخط جديد بين قبرص ولبنان اسمه أوروبا”.

المفارقة أنه يوم إقرار الحكومة اللبنانية مشروع الكابل البحري “أوروبا” بين لبنان وقبرص، هو نفسه كان يوم إلغاء المشروع نهائيا من دون الإعلان رسميًا عن ذلك. إذ أدركت الشركة القبرصية عاجلا أن لبنان لن يستطع اتخاذ أي إجراء للاستمرار في إنشاء كابل “أوروبا”، فانتهى المشروع عمليا في ذلك اليوم، ونجا لبنان، موقتا، من التعرض للتنصت الشامل على بياناته الخام Upstream Interception.

يشار الى أن بعض المسؤولين يتقصدون الخلط بين القرصنة hacking والتنصت عبر الكوابل Upstream Interception. وهما وفق المصادر موضوعان مختلفان تماما، فالأجهزة والدفاعات التي يطلب شراؤها تحت عنوان الأمن السيبراني قد تساهم في الحد من القرصنة، لكن مفعولها شبه معدوم لناحية محاربة التنصت عبر الكابل البحري.

بعد إلغاء كابل “أوروبا” استأنفت الجهة القبرصية عملها السابق لجهة التسويق لضرورة ربط لبنان بمحطة Pentaskhinos، وكأنه من غير الممكن ترك لبنان يتصل بالعالم الخارجي عبر كابل IMEWE بعيدا من الجزيرة القبرصية. وفجأة، قررت Cyta ، لأسباب لا يمكن تفسيرها منطقيا، إنشاء كابل CADMOS 2 على نفقتها الخاصة، ومنح لبنان حصة 50% من ملكية هذا الكابل، علما أن لا مبرر لإنشاء هذا الكابل: لا تجاريا (حركة البيانات ضئيلة جدا) ولا اقتصاديا (الجدوى الاقتصادية معدومة) ولا تقنيا (قبرص لا تحتاج إلى كابل رديف إطلاقا) لتحمل الجهة القبرصية هذه التكاليف لمشروع من دون أي جدوى على الإطلاق.

عام 2022 وافقت الحكومة الحالية على إنشاء كابل CADMOS 2 وربطه بالمحطة القبرصية الشهيرة Pentaskhinos، وفي الوقت عينه أعلن الوزير القرم شراء حصة في كابل Alexandros الذي يرتبط بالمحطة نفسها حيث الكابل الإسرائيلي.

ملكية الكابل الكاملة للجانب الإسرائيلي تؤمن السرية المطلقة لإسرائيل لجهة محتوى حركة نقل البيانات والمعلومات على الكابل، خصوصا أن عملية الاعتراض للبيانات الضخمة التي تقوم بها وحدة 8200 الإسرائيلية تتطلب تحويلها إلى المراكز Data Centers التابعة للوحدة والموجودة في تل أبيب وصحراء النقب، وذلك بهدف معالجة المعلومات وتحليلها وتفكيك الرموز وفك التشفير. كذلك تتيح الملكية الكاملة للكابل لأجهزة الحكومة الإسرائيلية حرية الحركة من الداخل في محطة الإنزال التي تضم تجهيزات الكابلين الإسرائيلي واللبناني في الغرفة نفسها Shared Equipment Room.

تؤكد المصادر أن التنصت الذي تقوم به أجهزة الاستخبارات لا يمكن التأكد منه تقنيا. وعادة ما يتم الكشف عنه في تسريبات مثل “وثائق سنودن” او “ويكيليكس”، فهذه ليست قرصنة hacking يمكن الكشف عنها وعن مصدرها، بل هو تنصت كلي على المعطيات الخام أو ما يعرف بـ Upstream Interception، ومن غير الممكن كشفه تقنيا لتعقيداته، إضافةً الى كون أجهزة الاستخبارات مثل Unit 8200 الإسرائيلية تسبق في أعمالها الجهة المستهدفة بخطوات كبيرة.

بيد أن المصادر تجزم بأن الأدلة كافية بما لا يدع مجالا للشك في هذه القضية beyond any reasonable doubt وهي:

  • ثبوت وجود الكابل اللبناني مع الكابل الإسرائيلي الحكومي في المحطة القبرصية نفسها، وتاليا مشاركة تجهيزات الكابلين في الغرفة نفسها (الخرائط الرسمية).
  • العمل المتخصص الأساسي لوحدة 8200 الإسرائيلية هو التنصت على الكوابل البحرية (وثائق سنودن).
  • وجود أجهزة الحكومة الإسرائيلية في الغرفة المشتركة مع سهولة تحركها من الداخل (الكابل حكومي وتملكه إسرائيل بالكامل).
  • السرية الكاملة لحركة المعلومات على الكابل الإسرائيلي حتى على الجهة القبرصية صاحبة المحطة (لكون هذه الأخيرة لا تملك حصة في الكابل).
  • التسلسل الزمني للأحداث وصولا إلى هبة الشركة القبرصية للحكومة اللبنانية التي لا يمكن تبريرها مطلقا، وتخلي لبنان عن صلاحياته في إدارة الكابل وتشغيله للجانب القبرصي (قرار مجلس الوزراء والعقد مع الشركة).

النهار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى