بعدما فقد الثقة بالمصارف… أين يخبئ اللبناني أمواله

بعدما فقد الثقة بالمصارف… أين يخبئ اللبناني أمواله


“لا ثقة” وبالخطّ العريض، منحها اللبنانيون للمصارف منذ بدء الأزمة. فالإجماع على أن البنوك سرقت أموال المودعين لم ينطلق بين ليلة وضحاها، بل هو نتاج مسار سنوات من المماطلة والوعود الواهية، ناهيك عن تعاميم لا تعدّ ولا تحصى تفيد الجميع، إلا اللبناني الذي وضع جنى عمره في مصارف ظنّها ستستره في آخرته. ولكن أين يخبئ المواطنون أموالهم اليوم؟ وما هي أوجه الإستثمار الأنسب لهم؟
 

اعتنق اللبنانيون شتّى السبل وأقدمها في محاولة منهم لحماية ما تبقى من مدخراتهم من بطش الذين كانوا مؤتمنين على توفيرها لهم في أيامهم السوداء.
وفي هذا الإطار، أشار الخبير الإقتصادي د. باتريك مارديني إلى أن الإدخار في  لبنان بات يحصل بطريقتين، الأولى محلية والثانية خارجية، بحيث أن كل من لديه وصول إلى النظام المصرفي العالمي يعمد إلى وضع أمواله خارج لبنان.
وفي حديث إلى “لبنان 24″، شدد مارديني على أن الجزء الأكبر من الشعب اللبناني الذي ليس باستطاعته ادخار أمواله في المصارف العالمية بسبب عوامل كثيرة، يدّخر ماله داخل منزله سواء في خزنة آمنة أو “تحت المخدّة والسجادة”.
 

واعتبر أنه في حين أن هذه الطريقة بالإدخار لا تؤمّن مدخولاً، إلا أنها الأنسب بنظر الكثير من اللبنانيين الذين فقدوا الثقة بمصارفهم أو من يتخوفون من إعادة هيكلة المصارف وفي ظل عدم إقرار خطة نهائية للقطاع.
وقال مارديني إن جزءاً من الأموال المدّخرة منزلياً هو “كاش” وبالدولار الأميركي، بينما جزء آخر فيحاولون استثماره بأصول معينة سواء عن طريق شراء الذهب أو التنويع بين الدولار وعملة أخرى، إلا أن خيارات الإستثمار محدودة جداً، على حدّ تعبيره.
من هنا، أكد مارديني أنه في مرحلة معينة كان أحد خيارات الإستثمار في  لبنان هو العقارات، إلا أن اليوم وضع هذا القطاع سيء، مشيراً إلى أن “العقارات وصلت اليوم للقعر، وبالتالي من المفضّل أن يتريّث من لديه عقار ما يريد بيعه، إلى حين تحسّن الأوضاع لما بعد انتهاء الحرب وعودة الإستقرار.
واعتبر أن مشكلة القطاع العقاري هو أن شققاً كثيرة هي اليوم فارغة نتيجة تهريب عدد كبير من المواطنين أموالهم عبرها مع بداية الأزمة من خلال شرائها من دون السكن فيها، إلا أن هذه الشقق الفارغة اليوم تؤكد وجود فائض في العرض، ما يؤدي إلى استمرار تدني الأسعار.
وعن بدائل الذهب والعقارات، كشف مارديني أن هناك حديثاً متنامٍ عن أن  لبنانيين كثر باتوا يشغّلون أموالهم بالعملات المشفّرة مثل البيتكوين، وهو ما بات معروف عالمياً بأنه ممرّ وضمانة تماماً كالذهب. إلا أنه بسبب عدم قدرة اللبنانيين على الوصول إلى الأسواق المالية العالمية، يمكنهم شراء البيتكوين.
وشدد على أن من أودع أمواله في بنوك خارج  لبنان، فلديه فرصة كبيرة بالوصول إلى الأسواق المالية العالمية، مثل وضع أموالهم في سندات ملكية أميركية على سبيل المثال حيث يتمّ دفع فوائد عالية، أو يمكن الإستثمار بأسهم الشركات التي تشهد نموّاً، فضلاً عن المواد الأولية والذهب والنفط.
 

كما أكد مارديني أن عبارة “تهريب الأموال” للخارج ليست في محلّها بهذا السياق، إذ أن لبنان يتمتّع باقتصاد حرّ، على اعتبار أنه يمكن للجميع تحويل الأموال إلى لبنان لأنهم متأكدون أن بإمكانهم إخراجها مجدداً من البلاد في أيّ وقت أرادوه، وبالتالي لا يمكن تهريب ما هو للمواطن، بل هي عملية تحويل طبيعية ومتاحة، وهي ما تبقي لبنان “على قدميه”.
وعن إمكانية عودة اللبنانيين للمصارف، رأى مارديني أن الأخيرة هي حاجة للبلد، بدليل أن اليوم يتردد الشباب بالإقدام على الزواج نظراً لعدم قدرتهم على شراء بيت بسبب تعذّر أخذ قرض، والأمر عينه ينطبق على شراء سيارة أو تأسيس شركة، مشيراً إلى أن عدم قدرة المصارف على لعب دورها الطبيعي كوسيط بين المقترض والمستثمر، يؤّثر سلباً على البلد.
وأضاف: “لا يمكن إعطاء القروض من دون الحصول على ودائع، وهو ما يتعذر على المصارف القيام به في الوقت الراهن”.