إرباكات في السفر من لبنان وإليه… و”الميدل إيست” في الصدارة!
منذ 7 أكتوبر 2023، واندلاع حرب غزة، ودخول لبنان في حرب المشاغلة على حدوده الجنوبية، ولبنان لم يهدأ له استقرار، فخسر موسم عيدي الميلاد ورأس السنة السياحي والاغترابي، وفقد ما كان يأمله من انتعاش في شهر رمضان وعيد الفطر. وها هو مجدداً، يعيش الظروف المشابهة عينها، ويتلقى التهديد بالحرب، والوعيد بالدمار والخراب، بعدما كان يعوّل على موسم سياحي واعد، ونموّ مرتفع، عمادهما اندفاعة اغترابية لقضاء الصيف في الربوع اللبنانية، ومعها بعض السياح العرب والآسيويين.
لكن حسابات السياحة لم تتطابق مع حسابات الميدان، فمنذ اللحظة الأولى لتصاعد التهديدات بعد “صاروخ” مجدل شمس، بدأ مطار بيروت يعمل عكسياً. فبدلاً من دخول نحو 13 ألف راكب إلى 15 ألفاً يومياً، ضمرت أرقام الوافدين، فيما غالبية العائدين قد تكون وفق مصادر سياحية، من اللبنانيين المقيمين، صدف وجودهم خارجه لأسباب مهنية أو سياحية، وبعضهم طلاب جامعيون.
لم يكن بحسبان وكالات السفر والطيران في لبنان أن الصيف الذي أعدوا له جيداً سيخذلهم، وأن ما وعدوا به أنفسهم وموظفيهم من نموّ وتطوّر لم يعد في متناول اليد. فحتى اليوم، وإن لم يسجل إلغاء لحجوزات بالجملة، بيد أن ما بقي منها ينتظر حجم “الضربة العتيدة” وانعكاساتها، ليُبنى على الشيء مقتضاه.
وما زاد الطين بلة، دعوة دول غربية وعربية دعوة مواطنيها الى مغادرة لبنان فوراً وتأجيل 9 شركات طيران كبرى رحلاتها الى لبنان، ما تسبّب بإرباكات عدة للقادمين الى البلاد وإجبارهم على المكوث ساعات طويلة في مطارات أوروبا وتركيا بالإضافة الى اعتماد طيران الشرق الأوسط جدولة جديدة طارئة لحركة الهبوط والإقلاع من مطار بيروت وإليه تماهياً مع ضرورات التأمين، علماً بأنه كان لها النصيب الأكبر من حركة الركاب العالقين في مطارات الخارج.
وفي السياق أوضح رئيس مجلس إدارة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت إثر زيارته رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أن “الشركة تؤخر خمس أو ست رحلات تصل بعد منتصف الليل أو فجراً، الى صباح اليوم التالي لأسباب تقنية تتعلق بتوزيع مخاطر التأمين بين لبنان والخارج. وهذا التدبير من باب الاحتياط لتستمر الشركة في ممارسة أعمالها وإكمال عملياتها. أما بالنسبة للشركات الأجنبية التي ألغت رحلاتها وهي مجموعة “لوفتهانزا”، فهي نفسها كانت قد ألغت رحلاتها في تشرين الأول وتشرين الثاني الماضي، وهي ليست المرة الأولى التي تلغي ولم يحصل شيء حينها.
المهم أن كل شركات الطيران العربية مستمرة برحلاتها الى بيروت، فالطيران الإماراتي والقطري على سبيل المثال حركتهما عادية نهاراً، لذلك إذا نظرنا إلى حركة المطار فإن جميع الشركات مستمرة بحركتها باتجاه بيروت، أما بالنسبة لجدول رحلات “طيران الشرق الأوسط” فهو مستمر، ومعظم الطائرات تتحرك بشكل طبيعي، فمثلاً من أصل 36 رحلة ثمة تأخير لنحو خمس الى ست طائرات ليلاً، فيما سائر الرحلات تسير حسب المواعيد المحددة”.
فكيف تتعامل شركات الطيران مع ركابها في هذه الحالة ومن يعوّض خسارتهم؟
نقيب أصحاب وكالات السفر جان عبود أكد لـ”النهار” أن “كل شركات الطيران في حال حصول أي طارئ منعها من إتمام رحلتها تعمد الى متابعة أمور ركابها، إما عبر حجز فنادق لهم في البلد التي توقفوا فيه، أو تعطيهم 300 دولار على الليلة الواحدة لتدبير أمورهم، أو تحوّلهم الى شركات طيران أخرى تعمل على الخط الذي حجزوا ركابها عليه، وتتحمّل التكاليف”.
وأشار الى أن “غالبية شركات الطيران منضمّة الى منظمة الطيران الدولي، ما يعني حكماً خضوعها لـInterline Agreements الذي يفرض عليها قبول بعضها تذاكر بعض وتحويل الركاب في ما بينها، على أن يتم تسديد التكاليف عن طريق الـ”آياتا”. وإن كانت أي شركة من الشركات لا تخضع لهذا الاتفاق، فإنها مجبرة على أن تؤمن ركابها في شركة أخرى وتسدد لها التكاليف بالطريقة التي تتفق معها.
الخسائر السياحية؟
ما بين ثلاثة إلى أربعة مليارات دولار، عائدات سياحية وخدمات مختلفة ذات صلة، فقدها الاقتصاد اللبناني منذ سنة تقريباً، وفقد معها معدل النموّ الإيجابي جداً الذي كانت الأوساط المالية والنقدية تتوقعه بفارغ الصبر، لتبني عليه قراراتها المستقبلية وأرقام موازنة 2025، ولتعزيز موقفها التفاوضي أمام المؤسسات والمنظمات الدولية وفي مقدمها صندوق النقد. وقد تكون الخسارة الأكبر هي فقدان مصرف لبنان فرصة الاستمرار في سياسة حماية الاستقرار المكتسب في سعر صرف الليرة أمام الدولار وتعزيز موجودات مصرف لبنان بالعملات الصعبة.
وتحدثت مصادر معنية عن أن خسائر القطاع السياحي تفوق 3 مليارات دولار في الأشهر الـ11 الماضية، أما بالنسبة للأزمة المستجدة، فإن إلغاء حجوزات الطيران والفنادق اقتصر على هذا الأسبوع، فيما لم يُسجّل إلغاء للحجوزات على المدى البعيد.
بيد أن المشكلة أن “السياحة الداخلية في المطاعم تراجعت بنسبة 30%، فيما تراجعت في المؤسسات البحرية بنحو 50% عن الأسبوعين الماضيين. ووفق المصادر عينها “لا يمكن تقييم الوضع بشكل دقيق، لأن إلغاء الحجوزات ليس على المدى الطويل ولا يوجد عدد كبير من السيّاح الذين في لبنان غادروا بصورة مفاجئة، إذ إن عدد هؤلاء لا يتعدى 10%”.
وليس القطاع الفندقي بأحسن حالاً، وهو دفع حتى اليوم الفاتورة الأكبر من تصاعد الحرب والتهديد بتوسيعها، وخسر تلك القلة من المغتربين والسياح، الذين غامروا بالقدوم إلى لبنان برغم معرفتهم الوثيقة بظروفه الأمنية والسياسية، وبدأ الكلام بين “الفندقيين” عن احتمال العودة إلى الإقفالات مجدداً ريثما تستقر الأوضاع كلياً.
إلى ذلك، ليس من قدرة حالياً على احتساب وتقدير الخسائر التي مني بها القطاع المطعمي، فباستثناء مطاعم الجنوب والبقاع الغربي والشمالي، التي توقفت الأعمال فيها كلياً تقريباً، تعاند مطاعم بقية المناطق الإقفال، بسبب بعدها عن مناطق العمليات العسكرية، أو المناطق المتوقع استهدافها، بيد أن ذلك لم يحمها من تراجع أعمالها، وخسارة ما كانت تصبو إلى تحقيقه في موسم الصيف.
وبحسب نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري طوني الرامي “ثمة حفلات مهمة كانت ستقام في الأيام المقبلة ألغيت، كما تراجعت الحجوزات في الملاهي بنسبة 70%، بينما المطاعم لا تزال تعمل كل يوم بيومه معتمدة على الرواد المحليين”. ويرى الرامي أن ما حصل نتيجة التخوف من توسع الحرب هو بمثابة ضربة كبيرة للقطاع السياحي اللبناني في عزه، ويتوقع الرامي أن الخسائر ستكون كبيرة خصوصاً أن تعويل المؤسسات السياحية كان على شهر آب، متمنياً أن “لا تتوسّع دائرة الحرب حتى لا تزداد الخسائر”.
“النهار”- سلوى بعلبكي