نحنُ وحسن وأميرة: خطواتُنا الأخيرة… قبل الموت وعملاء الداخل في الواجهة!

المحكومون بالإعدام، في مشيتهم الأخيرة نحو المقصلة، أو حبل المشنقة، أو فوهات البنادق، لا يتردّدون. بل وأحياناً يسيرون برباطة جأش. بعضهم بشجاعة. بعضهم بخطى متثاقلة. لكنّهم يسيرون. وكأنّهم وافقوا أو اقتنعوا. لكنّهم يتمتّعون بميزة تعلو على مصائرنا، نحن سكّان لبنان هذه الأيّام. ميزة كقيمة مُضافة. وهي أنّ هناك من أخبرهم بأنّهم بدأو مشيتهم الأخيرة، نحو القبر. فمن أخبر حسناً وأميرة؟

مثلنا استيقظ حسن وأميرة* صباح الثلاثاء. تماماً كما ظننّا صباح اليوم أنّنا سنعيش يوماً عاديّاً آخر. كما يظنّ القارىء أنّه بعيدٌ عن الموت: “وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ” (سورة لقمان، 34).

مثلنا، نهضا من فراشيهما. لعبا. ضحكا. ركضا. “عذّبا” أهلهما ربّما كأيّ يومٍ عاديّ. تدافشا في الصالون. علا صراخهما في غرفة النوم. تناولا وجبتهما الأخيرة في المطبخ. دخلا الحمّام. رفضا الاستحمام كأيّ طفل يكره المياه. سرّحت الوالدة شعرهما. وبين ضحكة ونظرة، سقط الصاروخ، ثمّ الثاني… وبقيّة القصّة معروفة.

من أخبر حسَناً وأميرة؟

في تل أبيب. في كريات شمونة. في حيفا. في عكّا… وفي غيرها من المدن الإسرائيلية: تعلو أصوات صفّارات الإنذار. تركض العائلات إلى “الغرف المحصّنة”. إلى الملاجىء. وحين تسقط الصواريخ، الإصابات غالباً ما تكون نفسيّة.

يعرف المستوطنون في بلاد الاحتلال أنّهم في “منطقة حرب”. تبلغهم القوات التي تقاتل. ترسل لهم الإنذارات. تجبرهم على إخلاء منازلهم بالقوّة. ولا يجلس وزيرٌ ولا نائبٌ ولا جنرالٌ كبير بين الأطفال والعائلات المدنية.

لكن من أخبر حسناً وأميرة وعائلاتهما وجيرانهما أنّهم عرضة للقصف. أنّهم في مرمى الصواريخ. أنّهم في ساحة حرب؟ ألم يكن واجباً على من أدخلهم الحرب، أن يحيّدهم، كمدنيين؟ ألم يكن واجباً عليه أن يحميهم؟ وهل الحماية بقصف تل أبيب؟ أو بمنع موت حسن وأميرة؟

“عملاء الداخل”؟

كثيرون من بين اللبنانيين وقفوا إلى جانب الحزب في هذه الحرب. بعدها “نتحاسب” في الداخل. وكثيرون قرّروا أن يواجهوه خلال الحرب. رفضوا مقولة “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”. وصفهم إعلام الحزب وناشطوه بأنّهم “عملاء الداخل” لأنّهم قالوا إنّهم لا يريدون أن يكونوا وقوداً لحرب إيرانية.

أهل ضاحية بيروت الجنوبية بمعظمهم يقفون إلى جانب الحزب. ليسوا من “عملاء الداخل”. حسن وأميرة، هل سألهما أحدٌ إذا كانا يريدان أن يكونا “وقوداً” في هذه الحرب؟ هل استشارهما؟ هل كان لهما حقّ الرفض؟ وإذا رفضا، هما وأهلهما، هل كانوا سيوصفون بأنّهم “عملاء الداخل”؟

استسلام أم إنكار؟

في الفيلم الشهير عن سفينة تايتانيك، ظلّ بعض الموسيقيين يعزفون حتّى لحظة الغرق. لم يكن بيدهم حيلة. ولم يتدافشوا لركوب قوارب الإنقاذ القليلة. مارسوا ما عاشوا فيه وله ومن أجله وبسببه، حتى لحظة الموت.

فهل بتنا نشبههم؟

نحن الذين نستيقظ في مناطق الحرب، من بيروت إلى دمشق وبغداد وصنعاء، أمس واليوم وغداً. نأخذ الحمّام الصباحيّ. نتناول الفطور، ونذهب إلى أشغالنا. في بيروت، الحلّاقون يقصّون الشعر. ثمّة من يشتري ثياباً، قد لا يلبسها. ثمّة من ينسّق موعداً، قد لا يعيش ليحضره. وهناك من يحلم بمشوار، قد لا يتسنّى له الوقت للذهاب إليه.

من استيقظ صباح أمس في بيروت ولبنان، أو يستيقظ صباح الغد، بعد العدوان الإسرائيلي على حارة حريك، قد يُصابُ بالدهشة. في ضاحية بيروت الجنوبية، كلّ شيء عاديّ. في بيروت أيضاً. كأنّهُ سِحرُ “الحياة”. كما حين تجدُ عشبةٌ طريقها بين صخرتين. أو يجدُ عصفورٌ قتل الصيّادون والدته، طريقَ أجنحته نحو الطيران.

مثلنا الطفلان… ربّما كانا يلعبان حتى اللحظة الأخيرة. يتعاركان. يصرخان ويضحكان. قبل الصاروخ بلحظة. قبل النهاية برمشة عين.

فهل كانا في محيط ينكر أنّه عرضةٌ للقصف والموت في أيّ لحظة؟ هل كانا في بيئة مستسلمة؟ هل كانا يمارسان لعبة الحياة؟ أو يلاعبان الموت؟

وهل هو التمسّك بالحياة حتّى النفَس الأخير؟ أم هو الإنكار؟ كأنّ شيئا لم يكن… أم تراهُ الاستسلام؟ حيث لا حول ولا قوّة لنا؟

محمد بركات – اساس ميديا