تبقى أزمة الكهرباء تتربّع على عرش الأزمات منذ نهاية التسعينات إلى اليوم والتي تفاقمت في السنوات الـ14 الأخيرة بشكل كبير حيث يستمر الإبتزاز السياسي في الأزمة إلى أقصى الحدود, فما هي الحلول الممكنة للخروج من الأزمة بشكل جذري؟
في هذا الإطار, أكّد الباحث الإقتصادي الدكتور محمود جباعي في حديث إلى “ليبانون ديبايت”, أن “الكهرباء تعتبر من أبرز المشاكل البنيوية التي يعاني منها الإقتصاد اللبناني منذ ما بعد الحرب بعد اتفاق الطائف، وهذه الأزمة المزمنة اليوم تلقي بتبعاتها على المواطن اللبناني بالدرجة الأولى وعلى الإقتصاد اللبناني بالدرجة الثانية وعلى المالية العامة، كما انعكست بشكل سلبي على أموال المودعين في الدرجة الثالثة”.
ويرى أن “هذه المشكلة أصبحت من أبرز المشاكل البنيوية والمستغربة في العام 2024 أن يبقى بلد عاجز عن تأمين الكهرباء لمواطنيه والوصول إلى العتمة الشاملة على الرغم من كل الإمكانيات الموجودة وعلى الرغم والفرص التي أتيحت لهذا القطاع من أجل حلّها بدءاً بالعروض الخارجية من شركة سيمنز إلى العرض القطري إلى العرض الإيراني والعرض الروسي والصيني، حيث كانت هناك فرصة كبيرة لحل الموضوع بشكل جذري”.
ويوضح أن “كل هذه العروض كان يتم إفشالها بسبب المماطلات السياسية والتمسّك بطريقة العمل في الوزارة كما هو الحال حالياً غريبة جداً لا تعطي أية إنتاجية وتبيّن حجم الخلل بالتعاطي مع ملف الكهرباء”.
ويشير إلى “التساؤلات التي تدور في أذهان اللبنانيين لماذا يبقون تحت رحمة هذا الأسلوب السيئ في إدارة القطاع المرتبط بالأسلوب القديم جداً بغض النظر عن توجيه الإتهام لأي فريق سياسي ولكن هناك مشكلة والقيمين على قطاع الطاقة منذ 14 سنة إلى اليوم يجب أن يعلموا أنهم يديرون القطاع بشكل خاطئ ونحن هنا نحكم على النتائج والذي يظهر كما أن الإدارة سيئة جداً”.
وإذ يعترف أن الأمر سيئ منذ زمن لكن المخاطر تفاقمت في السنوات الـ14 الماضية وأصبحت أصعب ممّا كانت عليه قبل الـ2010 حيث كان الوضع أفضل مما هو عليه اليوم.
ويستغرب استمرار التهديد بالعتمة الشاملة عدة مرات في السنوات الأخيرة ضمن حجج غير منطقية ولا تستند على أي أساس.
ويذكّر بالشلل الذي حصل في الإدارة لا سيّما موضوع البواخر التي استنزفت أموال المودعين بشكل سيئ جداً والهدر الكبير الواضح في هذا الإطار، فالتدقيق الجنائي يتحدّث عن أنه لدينا 25 مليار دولار صرفت على الطاقة بعد الـ2011 والمبلغ أكثر من ذلك في حال احتسبنا السنوات السابقة من الصرف غير المجدي على هذا القطاع.
ويؤكّد أنه من غير المنطق أننا لم نذهب إلى بناء أي معمل أو البحث عن شراكة مع القطاع الخاص في محاولة لحل الأزمة ممّا يثبت الإدارة الخاطئة في إدارة الملف.
ويرفض محاولات البعض برمي الكرة في ملعب مصرف لبنان بِحثّه على تمويل هذا القطاع كما كان يموّل في السابق بمليارات الدولارت ولم يعطِ أية نتيجة، ولم يتم رد هذه الأموال إلى المصرف وفق الوعود التي كانت تقدم ولم تنفذ.
اليوم برأي جباعي فإن المصرف المركزي يعطي وزارة الطاقة كل الأموال وفق موازنة 2024 ووفق ما تجبيه ولا منع لأي مبلغ من هذه المبالغ عنها ويمكنها استعمالها ساعة تشاء ولكن المشكلة أنهم يطالبون بأرقام تفوق هذه المبالغ، وبالتالي لم يعد مفهوما من ميزانية الوزارة أين تذهب هذه الأموال وكيف يتم صرفها لذلك المشكلة كبيرة اليوم.
ويلفت إلى أن الحل واضح فكل الجهات الدولية من البنك الدولي إلى صندوق النقد الدولي إلى خبراء الطاقة والإقتصاد أنه يجب أن يتأسس هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء والتي تأخر تأسيسها بسبب رفض بعض السياسيين لهذا الأمر لأنهم يدخلون دائما المهاترات السياسية في هذا الملف وهو السبب الرئيسي لعدم وجود أي إنتاج في هذا القطاع.
ويعتبر أن هناك كثيرين مستفيدين من هذا الأمر, إن لجهة المستوردين أو أصحاب المولدات الذين وجدوا بسبب إنعدام الكهرباء وإنعدام وجود خطة واضحة ، لذلك فإنشاء الهيئة الناظمة اليوم ضروري والقيام بشراكة مع القطاع الخاص لحل الأزمة هو الرؤية الأساسية والإستراتيجية وتأخير هذا الأمر هو ظلم للإقتصاد اللبناني وبالتالي للشعب اللبناني، وتأسيس الهيئة الناظمة يجب أن يحصل اليوم قبل الغد ويبدأ العمل على الشراكة مع القطاع الخاص, إما الخاص المحلي وإما عبر شركات طاقة دولية لديها الإستعداد للدخول في هذا الإستثمار الذي يُعدّ استثماراً مربحاً إذا تمّت إدارته بشكل صحيح، ويحصل للدولة إدارت ممتازة قد تقدر بمئات ملايين الدولارات ومربح للمواطن الذي يوفر كلفة ويزيد من ساعات التغذية إلى 24 ساعة في اليوم، كما أنه مربح للإقتصاد اللبناني حيث ستتدنى كلفة الإنتاج بعد تأمين تيار كهربائي دائم له.
ويشدّد على أن التأخّر في إنشاء الهيئة الناظمة عليه علامة استفهام كبيرة لأنه يؤخر الحل في هذا المجال فلا يمكن الإستمرار بهذه الطريقة حتى لو حصلنا اليوم على دعم من الجزائر أو العراق أو غيرها, فإن نفس الأسلوب سيدفع بعد شهر ونصف أو أقل إلى الأزمة نفسها والإبتزاز بالعتمة الشاملة وغيرها بينما الحلول الإستراتيجية واضحة جداً.
الحل الجذري برأيه هو عبر BOT والشراكة مع القطاع الخاص بعد إنشاء الهيئة الناظمة وفصل السياسة عن الإقتصاد، وعدم وضع وزارة الطاقة حكراً في مكان معين لأن الفشل في الإدارة واضح جداً لهذا الملف، مشدداً على عدم توجيه أي اتهام سياسي.
وإذ ينبّه إلى أن الشعب لم يعد يحتمل وإن فواتير الكهرباء تأتي مرتفعة جداً بمعنى أن وزارة الطاقة تحصّل مبالغ كبيرة بالدولار الفريش ما بين 40 و50 دولار في الشهر في حين أن التغذية بالتيار الكهربائي لا تتجاوز الساعتين في اليوم، فلماذا يدفع المواطن كلفة باهظة لخدمة لا يحصل عليها كاملة، إضافة إلى تكبّده مبالغاً كبيرة للإشتراك والطاقة الشمسية لذلك الأفضل اليوم الذهاب إلى الخصخصة في هذا المجال تحت إشراف الهيئة الناظمة وإلا ستتكرر المشكلة ولا حل إلا بهذا الطرح.
ويمكن أيضاً إقامة برأي جباعي اعتماد اللامركزية في إدارة الكهرباء على غرار كهرباء زحلة لتخليص الشعب اللبناني بكلفة أقل وأفضل من الدفع لقطاع لا ينتج كهرباءً ويستمر بسياسة الإبتزاز للشعب اللبناني.
ليبانون ديبايت