يندرج تصعيد “حزب الله” بهجماته على المواقع العسكرية الإسرائيلية في المناطق الشمالية والجولان السوري المحتل، ودقته في إصابة الأهداف التي تعززت عقب الكشف عن شبكة الأنفاق الضخمة “عماد4” المعدة خصيصا لمواجهة إسرائيل، ضمن الحرب النفسية التي يخوضها الحزب والرغبة في ردع تل أبيب عن الدخول في مواجهة شاملة.
ووفقا لقراءات المحللين وتقديرات مراكز الأبحاث، فإن ميزان الردع الذي تطور بين إسرائيل وحزب الله على طول الحدود اللبنانية تم نتيجة تطور قواعد اللعبة التي صيغت ورسخت على مدى سنوات طويلة، من خلال التجربة والخطأ لدى الجانبين، وتحت تأثير عديد من التشكيلات.
واتفقت التحليلات في ما بينها أنه في ظل استمرار القتال لأكثر من 10 أشهر على طول الحدود الشمالية، بات واضحاً اليوم أكثر من أي وقت مضى أن حزب الله يتحدى إسرائيل ويتجاوز حدود معادلة الردع، وهو ما يربك تل أبيب التي تخشى من خسائر فادحة بالجبهة الداخلية في حال اندلاع مواجهة شاملة.
وبحسب القراءات الإسرائيلية، فإن استعداد حزب الله لخلق احتكاك عسكري مع إسرائيل يزداد كلما زادت ثقته بقوته وقدرته على إحداث دمار إستراتيجي وأضرار لإسرائيل، ويرجع ذلك إلى رفع قدراته العسكرية، وفي مقدمتها الصواريخ الدقيقة، وإحكام التنسيق في محور المقاومة، فضلا عما يعتبره ضعفا داخليا لدى إسرائيل.
تهديد المسيرات
وأمام تصاعد الهجمات التي يشنها حزب الله، تقف المنظومة الدفاعية الجوية الإسرائيلية عاجزة عن اعتراض المسيرات المتفجرة، ويقول يوسي حزان رئيس قسم الهندسة الميكانيكية والطائرات بدون طيار في الكلية التكنولوجية “آرييل” إن “التهديد الذي تشكله المسيرات مقلق للغاية ويربك الجبهة الداخلية، إذ لا يوجد للجيش الإسرائيلي أي حلول لمواجهتها”.
وعن الأسباب التي تجعل المسيرات تحقق نجاحات وتشكل تهديدا للجبهة الداخلية، دون أن تنجح الدفاعات الجوية بالتصدي لها وتبديد مخاطرها، قال حزان -في حديثه مع “راديو الشمال”- إنه “في الواقع نتحدث عن طائرة بدون طيار يستطيع أي شخص شراءها، وهي تعبر الحدود من لبنان، وفي معظم الحالات لا توجد قدرة على كشفها أو اعتراضها”.
وأوضح أن الطائرات بدون طيار كانت في السابق تابعة للصناعات الدفاعية حول العالم، أما اليوم فقد أصبحت ألعابا صغيرة يمكن شراؤها من أي متجر، وهذا يتطلب من الصناعات العسكرية الإسرائيلية التعامل مع طرق أخرى لتحديد واعتراض هذه المسيرات.
وأضاف حزان أنه منذ بداية الحرب كانت هناك اضطرابات في برامج الملاحة التي تعتمد على الأقمار الصناعية لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، إذ تقوم المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بالإخفاء والتشويش الإلكتروني للتعامل مع المسيرات، “وهذا ينعكس سلبا على أداء المنظومات الاعتراضية ويضعها أمام تحديات كبيرة”.
وأشار الخبير الإسرائيلي إلى أن هذه المسيرات ذات تقنيات قديمة، ومكونات بلاستيكية يصعب على الأنظمة الدفاعية الإسرائيلية اكتشافها لحظة الإطلاق من لبنان، حيث يتم اكتشفاها عندما تدخل المجال الجوي الإسرائيلي، وهو ما يصعّب عملية الاعتراض، قائلا إن “اعتراض المسيرة بقبة حديدية أمر صعب، فهو مثل قتل نملة بصاروخ، يعني أكثر صعوبة وأكثر تعقيدا”.
وتحت عنوان “الوقت يعمل ضد إسرائيل”، كتب الكاتب الإسرائيلي بن درور يميني مقالا في صحيفة يديعوت أحرونوت استعرض فيه حالة التوتر التي تعيشها إسرائيل ترقبا لرد إيران وحزب الله الذي صعّد من هجمات الصواريخ وإطلاق المسيرات المتفجرة، التي تصيب أهدافها رغم حالة الاستنفار القصوى التي تعيشها الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
ويعتقد الكاتب الإسرائيلي أن تأخر رد الفعل من جانب إيران وحزب الله يندرج ضمن الحرب النفسية، هو جزء من المناورة والخداع والإستراتيجية بالتعامل مع إسرائيل، قائلاً إن “الانتقام لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، والقيادي العسكري فؤاد شكر، سيأتي عندما تخلي القوات الأميركية منطقة الشرق الأوسط”.
وأوضح يميني أن حزب الله، منذ أكثر من 10 أشهر، يشن هجمات متواصلة بالصواريخ والمسيرات على المناطق الشمالية، قائلا “لو كان حزب الله قد أطلق أسلحة الدمار هذه في أسبوع واحد، بدلاً من 10 أشهر، لكان هذا الهجوم أعظم هجوم على إسرائيل على الإطلاق، وأعظم من الهجوم الإيراني الذي جرى في منتصف نيسان، لكنهم يتعمدون استنزافنا وتعذيبنا”.
وقدّر الكاتب الإسرائيلي أن مواجهة شاملة مع من وصفهم بـ”محور الشر”، بالإشارة إلى إيران ووكلائها في الشرق الأوسط، “أمر لا مفر منه، وهي مسألة وقت ليس إلا”، وحسب وجهة نظره، فإنه من الأجدر القيام بذلك والقوات الأميركية في المنطقة، مؤكدا أنه ليس بمقدور إسرائيل مواجهة هذا المحور وحدها.
قدرات هجومية
والطرح ذاته تبناه تقدير موقف لـ”معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب، الذي استعرض تطوير إستراتيجية الردع لحزب الله تجاه إسرائيل، منذ تأسيسه قبل أكثر من 4 عقود، و30 عاماً من قيادة السيد حسن نصرالله له.
ويقول الباحث يورام شفايتسر، الذي شارك في صياغة تقدير الموقف بعد مرور 10 أشهر على الحرب، إنه “على مر السنين تطور حزب الله من منظمة مسلحة كلاسيكية إلى منظمة متعددة الأوجه والهويات، وهو كيان عسكري يتمتع بقدرات تقليدية ورأس حربة لمحور المقاومة”.
ويعتقد الباحث الإسرائيلي أنه منذ حرب لبنان الثانية عام 2006، تعزز حزب الله عسكرياً، لكنه امتنع عن ممارسة قدراته الهجومية تجاه إسرائيل، حيث كان الخط الموجه لنشاطه هو الحفاظ على توازن الردع وإرسائه بينه وبين إسرائيل، بما يخدم مصالح الحزب، وذلك من أجل تجنب حرب شاملة.
واستعرض شفايتسر العوامل التي أثرت في تصميم “معادلة الردع” بين حزب الله وإسرائيل، وتطورها التدريجي طوال 40 عاماً من الصراع بين إسرائيل والمنظمة، مشيرا إلى أن توازن الردع الحالي له جذور عميقة بإستراتيجية حزب الله.
ويضيف الباحث الإسرائيلي أنه “في ظل ميل نصرالله للمخاطر والواقع الإقليمي المتغير، والحرب على غزة والقتال على الجبهة الشمالية، فإن ذلك لا يضمن منع نشوب صراع واسع النطاق بين حزب الله والجيش الإسرائيلي في المستقبل، والذي قد يتطور إلى حرب إقليمية متعددة الساحات”.
وخلص إلى القول إن “الردع الإسرائيلي تعرض لتحديات في السنوات الأخيرة، ولكن لا يزال من الواضح مصلحة حزب الله وإسرائيل في الحفاظ على الوضوح الإستراتيجي في ما يتعلق بقواعد اللعبة والردع المتبادل بينهما، ومنع حرب واسعة النطاق، قد يتعرض فيها الطرفان لضربات شديدة للغاية”. (الجزيرة نت)