أثار تقرير دولي قلق اللبنانيين من احتمال العودة إلى التفلّت في سعر الصرف بعد استقرار مستمر منذ حوالي السنة والنصف، فما هي الأسباب التي قد تفلّت الدولار من عقاله وتضرب قيمة العملة الوطنية؟
في هذا الإطار, يوضح الخبير الاقتصادي ميشال قزح في حديث إلى “ليبانون ديبايت”, أن “قضية ارتفاع سعر الصرف يستوجب طباعة العملة، ولكن مصرف لبنان لا يقوم بالطباعة وهو ما يحول دون التلاعب بسعر الصرف”.
إلا أنه يلفت إلى “النقطة الأهم والتي تتمحور حول العجز بميزان المدفوعات، حيث يتكلّف مصرف لبنان عليه منذ ستة أشهر حوالي 100 مليون دولار للمحافظة على سعر الصرف، وهو يقوم بتغطية هذا الأمر من خلال جباية الدولة للضرائب، فاللبنانيون يدفعون الضرائب بالدولار بعد أن أصبح الإقتصاد مدولر بنسبة كبيرة، حيث يبيع المكلف الدولار عند الصرافين لشراء الليرة اللبنانية حيث تذهب الدولارات إلى المصرف المركزي كذلك الضرائب التي يدفعها المكلف بالليرات التي اشتراها تذهب إلى خزينة الدولة أي إلى مصرف لبنان ويكون المصرف حصل على الدولار والليرة في آن واحد”.
وأضاف, “الدولارت الناتجة عن هذه العملية هي التي يتم بها تغطية الإستيراد، وبالتالي لم يقدم لبنان على القيام بأي شيئ من الإصلاحات، طالما أن ميزان المدفوعات يسجّل عجزاً، لا سيّما أن التجار الذين يستوردون بضائعهم من الخارج يتسببون بنزيف للعملات الصعبة إلى الخارج ولبنان لا يحصل على الدولار إلا من مصدرين من التصدير أو المغتربين يضطر المصرف المركزي إلى تغطية العجز بميزان المدفوعات إما من أموال المودعين الذي اتخذ قرار بعدم المس بهم أو من خلال من جباية الضرائب”.
ويوضح, أن “العجز بميزان المدفوعات يصل اليوم إلى حدود المئة مليون دولار ويصل أحياناً إلى 150 مليون دولار، ولكن بالإطلاع على ميزانية مصرف لبنان فيها خسارة حوالي 600 مليون دولار خلال الستة أشهر الأخيرة، وهذه الأموال يتم تغطيتها من جباية الدولة”.
ويلفت في موضوع زيادة الإحتياط أن زيادته لن تكون بالشكل المطلوب وبدل أن تكون مثلاً مليون و600 مليون تصل فقط إلى مليون لأن الباقي يذهب لتغطية العجز، ذلك لأن الدولة تقوم بجباية ضرائب أكثر من المطلوب جبايتها، فالدولة التي يصل مصروفها إلى 700 مليون تجبي بحدود الـ3 إلى 4 مليار دولار وهذا الفائض يذهب إلى احتياط مصرف لبنان، يهدر منه كمية محددة للحفاظ على استقرار سعر الصرف”.
ويلفت أن “تقرير ستاندر اند بورز وضع في الحسبان تداعيات الحرب وإكمال العجز في ميزان المدفوعات بدون أية إصلاحات، عندها سيصل مصرف لبنان في النهاية إلى استعمال الإحتياط والتي هي ودائع اللبنانيين، وعندما يقرر ذلك عندها يبقى سعر الصرف مستقراً أما إذا استمر برفض المس بالإحتياط سيضطر إلى طباعة العملة عندها سيتدهور سعر الصرف”.
ويوضح “من الناحية العملية أن الإقتصاد في لبنان قد بدأ يسجل نمو وتحسن إلى أن بدأت الحرب في 7 تشرين، والموسم السياحي لم يكن على حجم التوقعات مما يدل عن أن العجز في ميزان المدفواعات سيرتفع، وإذا توسعت الحرب في المنطقة مصرف لبنان سيضطر إلى التدخل بطريقة أكبر لتحرير سعر الصرف, وإذا رفض التدخل سيترك لليرة المجال للتحرر وقد يصل سعر الصرف إلى 120 أو حتى قد يصل إلى 140 الف ليرة”.
ويخلص إلى أن “المشكلة تكمن في ميزان المدفوعات وطباعة الليرة وإذا أراد المصرف المركزي تغيير سياسته الممتنعة عن طباعة الليرة فإنه لن يستطيع أن يهدئ من تدهورها في حال استمر العجز بميزان المدفوعات، وما يمنع هذا السيناريو السيئ هو استعجال عجلة النمو للإقتصاد وأن نحتفظ بكمية دولارات تفوق الكمية المستنزفة في الإستيراد التي تخرج من البلد، لكن اذا استمرينا بحركة إخراج دولارت أكثر من الدولارت التي تدخل البلد سينهار البلد حتماً”.
ويدعو إلى وضع ضوابط على الإستيراد لوقف نزيف الدولارات إلى الخارج واتخاذ قرارات جذرية للحفاظ على التوازن في ميزان المدفوعات والوصول إلى فائض في الصادرات وليس الواردات في المرحلة التالية.
ليبانون ديبايت