بعيد بدء المواجهات على الحدود اللبنانية الجنوبية في 8 تشرن الأول الفائت وتوسع دائرة الاعتداءات الإسرائيلية، بدأت موجات النزوح من البلدات الحدودية.
لم يكن في الحسبان أن فترة النزوح الحالية ستطول بعد معركة “طوفان الأقصى”، وكان الاعتقاد أن النازحين سيعودون إلى ديارهم سريعاً.
لا يخلو الأمر من تذمر في أوساط بعض النازحين من الأوضاع الراهنة، ولا سيما أن الفترة طالت وهناك من لم يعتد العيش خارج بلدته، أو ترك أرضه ومزروعاته، إضافة الى أصحاب المصالح المختلفة.
بعض النازحين كانوا على يقين أنهم عائدون خلال أسابيع إلى بلداتهم ومدنهم الحدودية، لكن الأسابيع والشهور مرت وبالتالي كان لا بد من مد يد العون لهم.
الحكومة التي سارعت إلى إنشاء لجنة الطوارئ الوطنية في الخريف الفائت، وجدت نفسها أمام مأزق مالي كبير، وعليه لم تشرع في تقديم كل ما يحتاج إليه النازحون، وكرر منسق اللجنة الوزير ناصر ياسين أن الخطة في حاجة إلى التمويل غير المتوافر، وإن تكن الحكومة قد أقرت في الشهر الحالي مبلغ 150 مليار ليرة للمساعدة في عمليات الإيواء في حال توسع الحرب.
في ظل هذا الغياب، كان من المنطقي أن تملأ الأحزاب الفراغ، وفي طليعتها “حزب الله” الذي تصرف على قاعدة أنه يتكفل بالقسم الأكبر من أعباء النزوح. وحذت حذوه أحزاب أخرى ومجلس الجنوب وإدارات عامة وبلديات وجمعيات إنسانية مدت يد العون، بالقدر المستطاع.
“حزب الله” تكفل بالإيواء والمساعدات
في بلدة ساحلية لبنانية، تتصل نازحة مع عائلتها بمسؤول في العمل الاجتماعي في “حزب الله”، طالبة منه تأمين غسالة بعدما نزحت من بلدة حدودية واستقرت على الساحل في شقة مستأجرة. الطلب كان غريباً، لكن الاستجابة جاءت سريعة. وبعد فترة وجيزة من الاتصال وصلت الغسالة إلى تلك العائلة.
في ذلك مثال على طلبات النازحين، وإن يكن بعضهم آثر عدم تسجيل أسمائهم لدى مسؤولي “حزب الله” في المناطق التي نزحوا إليها، لاكتفائهم المادي ولعدم الرغبة في تحميل الحزب مزيدا من الأعباء.
ومنذ تشرين الأول الفائت يقدم “حزب الله” عبر “العمل البلدي” و”العمل الاجتماعي” الخدمات اللوجستية والمعونات. وبحسب عينة من النازحين فإن الحزب يقدم مبلغاً شهرياً لكل عائلة يتجاوز أحياناً الـ200 دولار، إضافة إلى بدل إيجار لا يتخطى الـ 330 دولاراً للعائلة، وحصص تموينية دورية.
أما التقديمات الأخرى فتكمن في تقديم بدل إيواء وإثاث لمن تهدمت منازلهم، وتأمين الطبابة.
ومع اقتراب عودة المدارس، فإن الحزب في صدد وضع خطط لمساعدة الطلاب النازحين سواء الذين سيتابعون دراستهم في مدارس خاصة أو رسمية.
ولم يعلن “حزب الله” حتى تاريخه حجم ما يقدمه، وإن كانت المبالغ تفوق مئات الملايين من الدولارات، ويفضل عدم تقديم كشف بذلك على قاعدة أنه “يقوم بواجب إنساني وأخلاقي”.
الاستغلال ورفع بدل الإيجارات
تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي عروض لشقق للإيجار، سواء في الجنوب أو في مناطق أخرى.
وينقل أحد النازحين أنه وصله إعلان عن شقة للإيجار في منطقة غير بعيدة من الحدود الجنوبية، تقع على مسافة 15 كيلومتراً من الحدود، لكن المفاجأة أن صاحبها يطلب 600 دولار شهرياً.
بطبيعة الحال رفض النازح العرض وانتقل لاحقاً للعيش في شقة أخرى في مدينة ساحلية لقاء بدل إيجار لا يفوق الـ400 دولار.
أما الاستغلال الأمضى فيكمن في المناطق البعيدة عن الجنوب حيث يطلب السماسرة بدلات الإيجار تفوق الـ1000 دولار شهرياً، ويشترطون دفع بدل مسبق عن 6 أشهر ووضع محددات في شأن عدد أفراد الأسرة.
والصورة الأكثر بشاعة ظهرت في بعض البلدات التي طردت منها عائلات نازحة بحسب ما تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي، فيما سارعت بلديات إلى إصدار بيانات عن استقبال النازحين، وبعضها وضع شروطاً قد لا تتوافر.
في المقابل كانت أحزاب تدعو مناصريها والمقربين منها إلى عدم استغلال النازحين. وبرزت مواقف الحزب التقدمي الاشتراكي في هذا المجال، فيما لوحظ أن أحزاباً وتيارات لا تناصب جمهور المقاومة الخصومة، أحجمت حتى عن إصدار بيان ترحيب بالنازحين، على خلاف ما شهدته البلاد خلال عدوان تموز 2006.
“النهار”- عباس صباغ