خلال الآونة الأخيرة ووسط التوتر القائم في جنوب لبنان بين حزب الله وإسرائيل، تلقى اللبنانيون رسائل نصية على هواتفهم الذكية من أرقام دولية غير معروفة.
الرسائل، التي وُجهت عبر تطبيق “واتساب”، تدّعي أنها من شركات تبحث عن أفراد للتعاون في وظائف بدوام جزئي، مع وعد بتحقيق أرباح تتراوح بين 30 و1600 دولار أميركي. مع هذا، فإن الرسائل تصف العمل بأنه سهل للغاية ويمكن القيام به من المنزل بمرونة كاملة. علاوة على ذلك، تحتوي بعض الرسائل على روابط تدعي أن المستلمين قد فازوا بجوائز مالية كبيرة، وتطلب منهم اتباع خطوات محددة لاستلام هذه الجوائز، بما في ذلك تقديم معلومات شخصية مثل الاسم ومكان السكن.
فمن هو المرسل؟ وما صحة هذه الرسائل ودقتّها؟
يقولُ خبير الإتصالات سلوم الدحداح لـ”لبنان24″ إن هناك فرقاً متخصصة تقوم بجمع معلومات وبيانات عبر تطبيق “لينكد إن”، حيث يتم تجميع ملفات الأفراد، وأضاف: “من خلال هذه الملفات، يتمكن المبرمجون من البحث والعثور على عناوين البريد الالكتروني والأرقام الشخصية للأفراد”.
يلفت الدحداح إلى أنهُ “يتم استخدام تطبيقات مثل Caller ID للحصول على الأرقام المخزنة في الأجهزة الخليوية وتطبيقات أخرى ذات قواعد بيانات كبيرة”، وأردف: “بناءً على هذه البيانات، تم إنشاء تقسيمات وتجمعات للأشخاص، مثل تصنيف المهندسين والإعلاميين بشكل منفصل، وغالباً ما يكون لدى العاملين في الوسائط الإعلامية ملفات شخصية عامة ويُعرفون بشكل جيد لأنهم يظهرون على التلفاز، مما يسهل الوصول إلى أرقامهم للتواصل معهم”.
وأكمل: “تقوم مجموعة من المبرمجين باستخدام أرقام هاتفية متنوعة، بما في ذلك أرقام غير موجودة، حيث يتم شراء هذه الأرقام عبر الإنترنت ويمكنهم أيضاً عدم تسجيلها”.
وعند سؤاله عن سبب استخدام أرقام من دول مختلفة مثل تونس والهند، أوضح قائلاً: “في الدول الأوروبية، هناك قوانين مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR، التي تحظر الاتصال البارد المعروف بـ”Cold Calling”.
يلفت الدحداح إلى أنَّ “دولة الإمارات أصدرت مؤخراً قانوناً يمنع هذا النوع من الاتصالات، حيث لا يمكن لأي جهة الاتصال بشركة معينة لعرض منتجات للبيع من دون معرفة شخص داخل الشركة، فيما يمكن للشركات في الإمارات تقديم شكاوى ضد الشركات التي تمارس هذا النوع من الاتصالات، مما قد يؤدي إلى إغلاقها”.
ووفقاً للدحداح، فإنه “في الدول التي لا تملك مثل هذه القوانين، فإن الممارسات تتضمن إرسال رسائل نصية مفخخة تحض الأشخاص على الضغط على روابط مرفقة”، وأضاف: “على سبيل المثال، عندما يتلقى شخص رسالة تدعي أنه يمكنه كسب 30 دولارًا يومياً، أي ما يعادل 900 دولار شهرياً، في بلد يعاني من أزمة اقتصادية حيث يعيش أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر، ويُزعم أن العمل سهل ويمكن القيام به من المنزل، فإن هذه الإغراءات تدفع العديدين إلى الضغط على الرابط المرفق.”
وأكد الدحداح، أنّه عند الضغط على الرابط المرسل، يتم تحويل الفرد إلى نموذج يطلب منه إدخال معلومات شخصية مثل الاسم، العنوان، وأحياناً الهوية، وأكمل: “في بعض الحالات، يُطلب من الشخص ملء النموذج للحصول على المال، أو تحميل تطبيق صيد البرمجيات الذي يُستخدم لجمع بيانات جديدة عن الشخص أو لعرض إعلانات تحقق أرباحاً للمُرسلين”.
في احتمال آخر، يمكن أن يؤدي الرابط إلى صفحة ثانية تطلب من الشخص دفع مبلغ من المال لتقديم سيرته الذاتية، حيث تذهب هذه الأموال إلى المحتالين دون استفادة حقيقية للمستخدم، وفق ما يقول الدحداح.
للحماية من هذه الأساليب، يجب على الأفراد تجنب التفاعل مع الرسائل من مصادر غير معروفة والحذر من فخاخ الاختراق لإيقاع الأشخاص بالعمالة، وهي ما يُعرف بعمليات “التصيد” الإلكترونية.
وكانت المديرية العامة للأمن العام أصدرت تحذيراً للمواطنين اللبنانيين من الرسائل المشبوهة التي قد يتلقونها، مشددة على ضرورة عدم التفاعل مع هذه الرسائل أو التعامل مع الأرقام المرسلة من قبلها، مع توصية بحظر الرقم عبر خاصية(BLOCK).
وتعد هذه المحاولات من قبل إسرائيل لخرق أمن اللبنانيين سابقة مستمرة، حيث لم تكن هذه المرة الأولى التي تقوم فيها بمثل هذه التصرفات.
وفي ظل الصراع المستمر في غزة والتوتر على جبهة الإسناد في لبنان، تلقى سكان عدة بلدات جنوبية في الأشهر الأخيرة اتصالات مشبوهة من أشخاص يتحدثون باللهجة اللبنانية.
الأشخاص هؤلاء ادعوا عبر تلك الإتصالات أنهم يمثلون مؤسسات رسمية أو يقدمون مساعدات، أو يجمعون معلومات حول عدد أفراد الأسرة وأماكن تواجدهم، بهدف جمع بيانات شخصية مثل أسماء الأفراد وعددهم داخل المنزل. المفارقة هنا هو أنه إثر بعض هذه الاتصالات، تعرض بعض المنازل لقصف إسرائيليّ.
ومن الجدير ذكره أن إسرائيل قامت أيضاً في شهر أيار من هذا العام بإرسال رسائل مماثلة، تضمنت إشعارات بتلقي المستلم مبلغاً مالياً بالدولار الاميركي، مصحوبة بعبارة “من فضلك لا تُخبر الآخرين”.
فعلياً، فإن هذه الرسالة تعتبرُ مدسوسة وخبيثة جداً، وبالتالي فإن الحذر منها مطلوبٌ جداً خصوصاً أنه من الممكن أن يؤدي النقر على أي رابط فيها، إلى تسريب بيانات هاتف المستخدم وجعله عرضة للانكشاف تماماً أمام العدو أو مجموعات القرصنة الإلكترونيّة.