بين “التيار” و”القوات”…”فشخة لقدام عشرة لورا”
لأن رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع لم يتطرق في خطاب قداس الشهداء في معراب إلى ما يمرّ به “التيار الوطني الحر” من أزمات سياسية وداخلية كبادرة لم تكن مألوفة في مثل هكذا مناسبات، حيث كان رئيس “التيار” النائب جبران باسيل مادة دسمة في خطابات “الحكيم” التجييشية”، كان ردّ على “التحية” بمثلها فأعلن بعد 24 ساعة من خطاب معراب أنه “تلقف بإيجابية التطور في الموقف الذي أبداه جعجع في خطابه، محدّدًا النقاط التي “تلقفها” وهي عن “المقاومة وشهدائها ومواضيع الحوار والعيش المشترك ووحدة لبنان والتلاقي والخروج من الماضي وبناء المستقبلَ بما يجسِّدُ طُموحاتِ جميع المكونات اللبنانية، وتحديداً كونها تتلاقى مع مواقف التيار الانفتاحية وتتماشى، في ما يخص رئاسة الجمهورية، مع ما استطعنا الحصول عليه والتوافق بخصوصه مع معظم الكتل النيابية، من معادلة تشاور بغية التوافق مقابل جلسات انتخاب متتالية ومفتوحة تؤدي بالنتيجة الى انتخاب رئيس، بالتوافق أولاً أو بالتنافس ثانياً، بما يخرج البلد من الفراغ القاتل”.
إلى هذا الحد في البيان يمكن اعتبار محاولة باسيل ناجحة أقّله من حيث الشكل ومن حيث انتقاء التعابير، التي يمكن أن تدغدغ مشاعر “القواتيين”، وبالأخص بالنسبة إلى المقاومة وشهدائها، وهي المرّة الأولى التي يتوجّه فيها “التيار” إلى حزب “القوات” بعدما كان يصفه في السابق بأوصاف مغايرة عمّا ساقه في بيانه. فما ورد فيه من تعابير “استلطافية” لافتة وغير مألوفة لم ترد على لسانه حتى في عز “همروجة أوعى خيّك”.
أمّا ما لم ينجح فيه “التيار” فهو ما جاء في القسم الثاني من البيان، وقد يكون سقط “سهوًا” تعبير “شكليات بسيطة” عندما قال إنه يمكن “القوات” أن تتساهل بها، “لأنها لا تقف عائقاً أمام أهمية انجاز انتخاب رئيس ميثاقي للبنان كفرصة وحيدة لوقف تحلّل الدولة وانهيار الوطن”.
فـ “الشكليات البسيطة” بالنسبة إلى “التيار” هي أمور أساسية وجوهرية بالنسبة إلى “القوات”، وبالأخص بعدما قال جعجع إن طريق بعبدا لا تمرّ لا بعين التينة ولا بحارة حريك، وأن أي تجاوب مع الحوار الذي جدّد الدعوة إليه الرئيس نبيه بري في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر يعني تكريس عرف ميثاقي جديد من الصعب جدّا عدم التخلص من أدبياته في المستقبل وعند كل استحقاق دستوري.
وهذا الأمر بالنسبة إلى “معراب” ليس “شكليات بسيطة”، وبالتالي فإن الاحتكام إلى ما يقوله الدستور في ما خصّ الاستحقاق الرئاسي لا يعني بالضرورة رفض الحوار، الذي يجب أن يكون في قصر بعبدا بعد انتخاب رئيس جديد، تُطرح فيه كل المسائل الخلافية من دون إغفال أي تفصيل مهما كان حسّاسًا باعتبار أن الظرف الدقيق والخطير الذي يعيشه لبنان في ظل ما يُحاك لجنوبه من مخططات، وفي ظل استمرار تغييب موقع رئاسة الجمهورية، وفي ظل النزوح السوري الفوضوي والكبير، وفي ظل الوضع الاقتصادي المتأزم، وفي ظل غياب رؤية موحدة للخروج من نفق الأزمات، يُفترض أن تُطرح الأمور كما هي ومن دون مساحيق تجميلية. فإذا لم يتصارح اللبنانيون هذه المرة على خياراتهم فإن الخشية من اتساع الهوة الفاصلة بينهم والآخذة بالاتساع قد تصبح عملية ردمها من الأمور المستحيلة.
رحم الله صاحب قول الرجوع عن الخطأ فضيلة. وقد يكون الظرف اليوم مؤاتيًا أكثر من أي وقت مضى ليراجع كل فريق حساباته جيدًا، وأن تكون لديه الجرأة الأدبية للعودة عن أخطاء الماضي. فالحاضر والمستقبل لا يُبنيان بالنكد السياسي. وهذا ما على الجميع الإقرار به، والعمل بالتالي لتقريب المسافات البعيدة قبل فوات الأوان، وقبل أن يتطيب كل فريق ما يغنيه على ليلاه.