عسكريون قدامى أم ميليشيات مقنّعة في الشارع؟
مَن راقب تحركات العسكريين المتقاعدين في الشارع والخطاب الذي يفصحون عنه والنبرة التي يتحدثون بها، بغض النظر عن أحقية مطالبهم ومشروعيتها، إعتقد لوهلة أن معظم هؤلاء لم يكونوا يوما في عداد “مؤسسة الشرف والتضحية والوفاء”، بل كانوا منضوين في صفوف ميليشيات لا تمتهن الا التخريب والتكسير و”قلة التهذيب”.
قد تكون الحكومة تأخرت في اقرار ما يلزم من اجراءات اضافية لانصاف موظفي القطاع العام ومن ضمنهم العسكريون الحاليون والقدامى، وتبريرها انها تدرس الملف بعناية منعا لاي تأثير على الاستقرار النقدي والمالي، وهذا امر مفهوم، لكن السؤال الاساسي هل باقفال الطرق ومحاصرة السرايا والتطاول على كرامات الناس تُنال المطالب؟ وهل بمنع انعقاد جلسة مجلس الوزراء يتحقق ما يطالب به المنتفضون؟
واستطرادا ، لماذا استبق هؤلاء المتحركون في الشارع جلسات الحكومة وباشروا ما يفعلونه، قبل معرفة ما سيقر وما سيحصلون عنه؟ ولماذا تهجموا على الممثلين الشرعيين لهم لمجرد انهم قرروا محاورة الحكومة؟
هذا السؤال يقود حتما الى استنتاج واضح أن المسألة ليست متعلقة بمطالب اجتماعية محقة بل بمخطط واضح للانقلاب على الدولة والحكومة وفرض شلل تام في البلد، عبر ضرب المؤسسة الدستورية التي لا تزال تعمل وتنتج والممثلة بمجلس الوزراء.
ومن مهازل الزمن ان نوابا وصلوا الى البرلمان باسم الثورة “تنطحوا بالامس للتسلق على ضهر المطالب الاجتماعية، فيما هم لم يحققوا حتى الان اي انجاز فعلي سوى التغريد على مواقع التواصل الاجتماعي وتبرير فشلهم بأنهم “مش بالمنظومة”..
ومن مهازل الزمن ان احد من يدعون المظلومية من مسيّري “التحرك المطلبي” يضع يده ، منذ سنوات طويلة، ودون وجه حق، على الاف الامتار من مشاعات الدولة في منطقته ويستثمرها، وملفه قيد المتابعة القضائية، وهذا “القائد المظفّر” نفسه يحاضر بما يجب فعله لسد جوع الناس.
وفي خضم هذا الوضع، يأتيك من يعتبر أن الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء بالأمس “تهريبة مهينة”، لمجرد ان توزيع الدعوة الى انعقاد مجلس الوزراء على مجموعة الوزراء على تطبيق واتساب تم قبل 14 دقيقة فقط من موعد انعقاد الجلسة. وبالطبع فات المعترضين انه بعد توزيع جدول اعمال الجلسة ضمن مهلة الـ48 ساعة من انعقادها، يصبح انعقادها في اي وقت دستوريا. كما فاتهم حتما ان الدعوة الى عقد الجلسة تمت من قبل رئيس الحكومة شخصيا الى الوزراء قبل ساعات من موعدها المرسل على تطبيق واتساب، ما حدا بأحد المشهورين بالتسريب من “الوزراء المقاطعين” الى تسريب صورة الدعوة الموجهة من الامين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكيّة الى الاعلام، معتقدا انه حقق “سكوب صحافي”.
وبحسب اوساط حكومية معنية “فان جلسات مجلس الوزراء ستستأنف الاسبوع المقبل لاستكمال البحث في مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2025 ، بعدما كان المجلس استمع بالامس الى تقرير وزير المالية واعتبر المجلس جلساته مفتوحة.
وكان المكتب الاعلامي لرئيس الحكومة اصدر مساء أمس بيانا جاء فيه: إن دولة الرئيس، يستغرب ما يحصل من تحركات على الارض والتي توحي بأن الحكومة ترتكب جريمة بانعقادها لبت قضايا الناس وشؤون الادارات العامة. ويبدو ان من يتحركون على الارض قرروا عمدا تجاهل الموقف الذي اعلنه دولته في مستهل الجلسة وجاء فيه” عندما سنباشر بدراسة بنود الموازنة، فاننا سنتخذ خطوات وقرارات اساسية تتعلق بحقوق العاملين في القطاع العام، والزيادات المطروحة للمدنيين والعسكريين الحاليين والمتقاعدين موجودة ضمن مشروع الموازنة، مع العلم اننا في صدد اتخاذ اجراءات مؤقتة تقضي باعطاء العاملين في القطاع العام مساعدة اجتماعية ، الى حين اقرار الموازنة في مجلس النواب، وهذا الاجراء سبق ان اعتمدناه وتم تطبيقه على العسكريين في الخدمة وعلى المتقاعدين ايضا”.
إن ما يحصل في الشارع هو ابعد ما يكون عن التحركات المطلبية ليتحول الى تحركات مشبوهة تسيء الى المطالب المحقة والى المناقبية العسكرية التي يفترض ان يتحلى بها من يحملون لواء الدفاع عن حقوق المتقاعدين”.
المصدر: لبنان24