هل يقود توقيف رياض سلامة إلى الإفراج عن الودائع؟

هل يقود توقيف رياض سلامة إلى الإفراج عن الودائع؟

ودائع بقيمة 93 مليار دولار لم يتبق منها اليوم بأفضل الأحوال سوى 18مليار دولار موزعة بين مصرف لبنان (نحو عشرة مليارات دولار ونصف) والمصارف الخاصة، ما يعني أن الفجوة المالية الضائعة تقدر بـ 75 مليار دولار، فأين ذهبت هذه الأموال؟

يوم الثالث من سبتمبر الماضي، يوم توقيف الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة والبدء بمسار محاكمته في ملف قضائي محدد خلفيته عمولات واختلاسات، أتى من يتحدث عن بصيص أمل ونور في ملف إعادة أموال المودعين وإخراجه من عنق الزجاجة، والتعويل على أن تكون ملاحقة سلامة الحلقة صفر أو الحلقة التجريبية في مسلسل إعادة الحقوق إلى أصحابها وأولها الودائع في المصارف التجارية.

عضو المجلس السياسي في «التيار الوطني الحر» المحامي وديع عقل والمتابع الحثيث لمسار محاسبة رياض سلامة، قال في حديث إلى «الأنباء»: «توقيف سلامة هو نتيجة خمس سنوات من العمل القانوني والملاحقات في لبنان وفرنسا والمانيا وعقوبات صادرة بحقه من قبل بريطانيا وكندا والولايات المتحدة، أضيف اليها ملف آخر ضاغط هو ملف التدقيق الجنائي الذي دفع به رئيس الجمهورية السابق ميشال عون ليصبح حقيقة».

وأضاف «حين صدر التقرير الأولي، لم يفهمه كثر لكونه تقنيا جدا، غير أنه كان مهما وغنيا جدا بالتحقيقات، ورياض سلامة عمليا موقوف اليوم بفعل التدقيق الجنائي، والجرم هو عملية اختلاس أموال عامة وتبييضها عبر شخصيات معينة».

وعن تأثير هذه الملاحقة على قضية الودائع، قال المحامي عقل «التأثير هو على سير العدالة في لبنان، لأن هذه هي المرة الأولى في مرحلة ما بعد الحرب التي يتم فيها وضع «رأس كبير» في السجن كان ناظما لكل التركيبة المالية. وبحكم موقعه كان يشغل أيضا رئاسة هيئة التحقيق الخاصة والهيئة المصرفية العليا في مصرف لبنان، وكل ذلك كان يعطيه سلطة على المصارف التجارية، وبالتالي كان ناظما لعملية التسليف والهندسات المالية التي أدت إلى ضياع كبير لأموال المودعين».

ورأى عقل أن «تحقيق جزء من العدالة اليوم بتوقيف رياض سلامة وملاحقته، يعطي دفعا للقضاة اللبنانيين الذين ينظرون في قضايا المودعين، لأن المصارف تملك عقارات وموجودات وأموالا وتوظيفا إلزاميا في مصرف لبنان يقدر بـ 9 مليارات دولار، وبالتالي أمام المودعين اليوم فرصة لنيل مرادهم ولكن بشروط معينة، لكونها يجب أن تقترن بدعاوى».

أما الكاتب والخبير الاقتصادي أنطوان فرح، فقال في حديث إلى«الأنباء» إن «تقديم رياض سلامة إلى المحاكمة مختلف ومنفصل عن أزمة الودائع. ففي الموضوع الأول يدور التحقيق على اختلاسات بعشرات أو مئات الملايين من الدولارات، بينما في قضية الودائع، الكلام هو على 75 مليار دولار».

واعتبر فرح أنه «في أزمة الودائع، قد تكون الاختلاسات جزءا منها وتشكل فيها نسبة مئوية معينة، لكنها ليست النسبة الأكبر، لأن النسبة الأكبر لها علاقة بالسياسة النقدية والإهمال والهيمنة السياسية. وكلها عوامل أدت إلى فجوة مالية ضخمة والى ضياع 75 مليار دولار».

وعن اعتقاد البعض أن البدء بمحاسبة رياض سلامة يمثل بصيص أمل لكونه يعني البدء بمكافحة الفساد ويسهم في إعادة الودائع، قال فرح «أنا غير مقتنع بهذا الرأي لأن السلطة السياسية مهيمنة على السلطة القضائية وسائر السلطات في البلد، وما حدث لا أكثر ولا أقل هو أن الجهة التي كانت تحمي سلامة وتمنع سابقا دخوله إلى السجن، قد أسقطت حمايتها له فتم توقيفه».

وأضاف «إعادة الودائع تختلف عن مسار المحاسبة، وحتى لو سلمنا جدلا بأن زمن المحاسبة قد بدأ، وأنا لست مؤمنا بذلك، فإن هذا المسار يجب أن يمضي بشكل مستقل عن مسار الإنقاذ الذي يبدأ بخطة للتعافي وخطة لإعادة هيكلة المصارف، على أن يشمل ذلك كيفية إعادة الودائع إلى أصحابها».

وبحسب الخبير أنطوان فرح، فإن «تقرير التدقيق الجنائي الذي صدر عن شركة «الفاريز» (شركة رائدة عالميا ومتخصصة في خدمات الاستشارات) كان واضحا في وضع الإصبع على الجرح وتحديدا على الجهات التي ساهمت في إنفاق الأموال. وقد جاء فيه أن المجلس المركزي في مصرف لبنان وبالتواطؤ مع السلطة السياسية وبوجود مفوض الحكومة ضمن هذا المجلس، كان يقوم بالتضليل ويدعي أن المصرف المركزي يحقق الأرباح سنويا ويعطي حصة للدولة، فيما السلطة السياسية كانت تعلم والجميع كان يعلم أن هناك خسائر سنوية متراكمة، وهذه الخسائر هي أموال الناس التي كانت تضيع سنة بعد سنة».

وعن السبيل إلى استعادة الودائع، قال فرح «الدولة التي أنفقت الجزء الأكبر من هذه الأموال سواء حيث يجب أو تمت سرقة جزء منها من قبل أهل المنظومة، يفترض أن تتحمل مسؤوليتها وتضع خارطة طريق لإعادة ولو جزء منها»، مضيفا أن «الاكتفاء بواقع محاكمة سلامة لن يعيد الودائع ولا يؤشر إلى انطلاق زمن المحاسبة الذي لن يبدأ إلا بوضع حد لهيمنة السلطة السياسية على السلطة القضائية».

رب قائل إن رياض سلامة لا يحتفظ بأموال المودعين في خزائن منازله ليتم وضع اليد عليها بعد توقيفه وإعادتها إلى أصحابها، لأن العملية أكثر تعقيدا بكثير. وعلى رغم ذلك، لا يزال هناك من يتمسك بفسحة أمل في استرجاع ماله، في مقابل من ينظر إلى البعيد ويردد: «كل ما يجري بلا أفق.. صحيح أوقف الحاكم السابق بأمر الليرة، لكن الأمر لن ينعكس إفراجا عن الودائع ولا انفراجا في سماء الفساد في لبنان».

المصدر: الأنباء