الحزب أمام خيارين لا ثالث لهما!

الحزب أمام خيارين لا ثالث لهما!

قد تكون هجمات “البيجر” وأجهزة اللاسلكي الأخرى التي نفذها الجيش الإسرائيلي في لبنان على مدار يومي الثلاثاء والأربعاء، أصعب ضربة تلقاها الحزب طوال مسيرته، كما يقول محللون مقربون من الحزب، باعتبار أن ما حدث خرق أمني باغت الجماعة بأدوات غير مسبوقة، كما أن هذه الهجمات خرقت جميع السقوف وأدت لانهيار سياسة الردع التي ثبتها الحزب مع الجيش الإسرائيلي منذ سنوات طويلة.

ولا شك أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يشعر الآن بنوع من النشوة مع تراجع الزخم المعارض له في الشارع الإسرائيلي، والذي حاول الضغط عليه للذهاب بصفقة عاجلة مع حماس لاستعادة الأسرى الإسرائيليين، حيث نقل رئيس حكومة الجيش الإسرائيلي عدسات الكاميرات واهتمام الشاشات نحو لبنان بعد هذه الهجمات التي أودت بحياة 32 لبنانياً وإصابة نحو 3250 آخرين، وفتحت نذر التصعيد الأكبر في الشمال.

وتقول الصحافة الاسرائيلية إن ما يدور في رأس نتنياهو بعد هذا التصعيد هو سيناريوهين: ردع الحزب وفرض اتفاق عليه في الشمال لإعادة الإسرائيليين إلى منازلهم المهجرة، أو استغلال رد فعل الحزب الغاضب لشن حرب شاملة على لبنان سيجد لها نتنياهو تبريرها أمام العالم.

تقول التقارير الأميركية والإسرائيلية، إن الحزب كان على وشك اكتشاف العملية التي كانت “إسرائيل” تعمل عليها منذ سنوات، والتي تم فيها تفخيخ آلاف أجهزة النداء التي وزعها الحزب على عناصره. وقبل لحظات من “حرق” العملية، قررت “إسرائيل” التحرك. وكانت النتيجة ضربة قاسية لعمل الحزب ومعنويات حاضنته الشعبية، فقد أصيب الآلاف من عناصره في مناطقة مختلفة من لبنان، وتبين أن عملياته القتالية كانت شفافة إلى درجة غير معلومة بعد، وعرضة لخطر الاختراق الإسرائيلي.

وسبق أن أصدر حسن نصر الله تعليمات علنية في شباط الماضي إلى عناصر الحزب بالتوقف عن استخدام الهواتف المحمولة الذكية خشية اختراقها من قبل الاستخبارات الإسرائيلية. وبدلاً من ذلك، تم تزويد أعضاء الحزب بنماذج قديمة من أجهزة النداء “البيجر” على افتراض أنها أكثر أمناً ولا يمكن اختراقها وكشف معلومات كبيرة حولها.

لكن كان التحول إلى أجهزة النداء كارثياً، وتحول الأمر أيضاً إلى أجهزة الاتصال اللاسلكية. وكما أشار المحلل ديفيد إغناتيوس من صحيفة واشنطن بوست، فقد “حولت إسرائيل الأداة الآمنة التي يستخدمها الحزب إلى سلاح ضده”.

وعصر يوم الثلاثاء، وفي غضون دقائق، تحول الانشغال الإسرائيلي بالتقارير التي تفيد بأن نتنياهو يعتزم تعيين زعيم “حزب الأمل” (اليمين الموحد) جدعون ساعر وزيراً للدفاع بدلاً من يوآف غالانت، نحو مشهد التصعيد في الشمال واحتمالات الحرب الواسعة مع الحزب .

وتقول صحيفة هآرتس، إنه من المفترض أن تكون هذه العملية “المؤلمة والمعقدة” بمثابة ورقة يلعبها نتنياهو لاستنزاف الحزب في بداية هجوم عسكري أوسع. وعلى الرغم من الفارق الكبير في الحجم والنطاق، فإن كثيرين يقارنون “عملية الثلاثاء” بعملية “موكيد” التي دمر فيها سلاح الجو الإسرائيلي مئات الطائرات المقاتلة المصرية والسورية في بداية حرب الأيام الستة عام 1967. لكن الآن لم ترد أنباء عن غارات جوية إسرائيلية ضخمة أو عمليات برية في الأراضي اللبنانية ضد الحزب .

يقول عاموس هاريل الكاتب والمحلل الإسرائيلي، إنه من الناحية النظرية على الأقل، هناك خطر قائم يتمثل في أن يلجأ الحزب إلى تصعيد الصراع على الحدود إلى حرب شاملة رداً على “الهجوم المهين” الذي تعرض له في قلب بيروت.

لكن يرى البعض أن الحزب مجبر على عدم الانجرار وراء ضربات نتنياهو والاستمرار في سياسة الاحتواء مع تصعيد الهجمات على شمال “إسرائيل” درجة أعلى، لأن نتنياهو يحتاج الآن إلى مبررات لتنفيذ هجوم كاسح وغير مسبوق على لبنان، ربما يشابه ما يحصل في غزة من دمار.

في المقابل فإن استمرار سياسة احتواء الضربات الإسرائيلية وعدم الرد بشكل متناسب عليها، يؤدي إلى تآكل سياسة الردع وتجرأ “إسرائيل” على توجيه ضربات أكثر إيلاماً مما يتخيله الحزب أو إيران، مما سيفقد الحزب صورته التي عمل على بنائها لسنوات طويلة، على الأقل داخل حاضنته الشعبية في لبنان، لذلك فإن الحزب (وإن فقد عنصر المفاجأة منذ وقت طويل) ملزم بالذهاب إلى أبعد مدى من الحرب مع نتنياهو وتوسيع رقعة الصراع بأسلحة جديدة.

بالنسبة لإسرائيل، لم يتم تعديل أهداف الحرب إلا في اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي مساء الاثنين، عشية العملية، بحيث تشمل “إعادة النازحين من الشمال إلى ديارهم” (على الرغم من أن نتنياهو كان يعرض هذا في خطاباته كهدف منذ عدة أسابيع بالفعل). ومن المرجح أن يستغرق الأمر عدة أيام أخرى قبل أن يتضح ما إذا كانت قيادة الجيش الإسرائيلي قد أعدت أي تحرك استراتيجي في أعقاب الضربة التي تلقاها الحزب يومي الثلاثاء والأربعاء، فهل ستوجه “إسرائيل” المزيد من الضربات لحزب أم أنها ستكتفي بما حققته على افتراض أن الحزب قد تعرض للترهيب الكافي؟

وثمة تفسيرات محتملة لسبب موافقة نتنياهو على تعديل أهداف الحرب الآن، وتغيير استراتيجية إسرائيل الشمالية، أهمها انسداد الأفق في المعركة في قطاع غزة بعد الفشل في حسمها واستعادة الأسرى على الأقل لإرضاء الجمهور الإسرائيلي، أو تدميرات قدرات حماس بالكامل (كما يعد نتنياهو) واخماد قوتها وإنهاء هجماتها التي تستنزف الجيش كل يوم.

الأمر الآخر أن نتنياهو يأمل أن تؤدي الضغوط المتزايدة في لبنان إلى دفع الحزب في نهاية المطاف إلى نقطة الانهيار والانفصال عن حماس وعدم ربط هجماته بمصير أي اتفاق حول قطاع غزة. ويعتقد نتنياهو أن نصر الله سوف يتوصل إلى استنتاج مفاده أن الثمن الذي يدفعه الحزب مقابل مساهمته في إسناد حماس في غزة باهظ للغاية.

وعلى إثر هذه الفرضية، فسوف يسعى السيد إلى التوصل إلى اتفاق منفرد لوقف إطلاق النار تنسحب بموجبه وحدات رضوان التابعة لحزب إلى شمال نهر الليطاني، وبالتالي تمكين بعض الإسرائيليين على الأقل من العودة إلى منازلهم على الحدود مع لبنان، مما يحفظ لنتنياهو ماء وجهه أمام الجمهور الإسرائيلي الغاضب.

ولم يعد لدى أحد شك أن نتنياهو يحاول جر الحزب إلى حرب شاملة، فالحزب يعتمد الاستراتيجية الإيرانية التي تفضل الصراعات منخفضة الشدة دون دفع تكاليف باهظة، ولكن إذا وقع نصر الله في “فخ التصعيد” الذي نصبه له نتنياهو، فسوف تتمكن إسرائيل من “الاستفادة من أي شرعية دولية تتمتع بها لشن حرب شاملة على لبنان”.

ويبدو أن اللبنانيين يشكون في صحة السيناريو الأخير. فقد زعمت مصادر مقربة من الحزب يوم الأربعاء أن الجماعة كانت على علم بالنوايا الإسرائيلية. ولكن الحقيقة هي أن كل هذا مجرد تكهنات. فقد منع نتنياهو مساء الثلاثاء الوزراء من إجراء مقابلات مع وسائل الإعلام، والتزم كبار قادة الجيش الإسرائيلي الصمت، كما تقول صحيفة هآرتس الاسرائيلية.

ربما تكون الإجابة على هذه الأسئلة عصر يوم الخميس عندما يلقي السيد حسن نصر الله خطاباً منتظراً له في بيروت. وفي الوقت نفسه، نشر إبراهيم الأمين، رئيس تحرير صحيفة الأخبار اللبنانية والمعروف بقربه الشديد من قيادة الحزب مقالاً حاول فيه شرح موقف الحزب . ووصف هجوم الثلاثاء بأنه “الأكبر منذ بداية الصراع”، وقال: “نحن في وضع جديد، والحزب سيسعى إلى رد متكافئ”.

في النهاية، يبدو أن كل هجوم تشنه إسرائيل على الحزب ، يهدف إلى تقويض ثقة الحزب بنفسه وزعزعة جبهته الداخلية وحاضنته الاجتماعية، وجعله يشك في كل شيء الآن، والتدقيق في جميع سلاسل التوريد التي كان يتعامل معها منذ سنوات، لكن الأهم من هذا كله، أن هذه الهجمات الأخيرة تقرب الحزب من الحرب الشاملة، سواء أراد ذلك أم لا.

المصدر:عربي بوست

Exit mobile version