الذكاء الاصطناعي في خدمة الصحة النفسية: هل نقترب من مستقبل من دون معالجين؟

الذكاء الاصطناعي في خدمة الصحة النفسية: هل نقترب من مستقبل من دون معالجين؟

شهد مجال الرعاية الصحية النفسية تطورات كبيرة، مع دخول الذكاء الاصطناعي طرفاً فاعلاً، إذ يؤدي دوراً محورياً في تحسين وسائل التشخيص ورسم بروتوكولات العلاج. ومع تزايد الطلب على خدمات الصحة النفسية، صار الذكاء الاصطناعي أداة قوية تدعم عمل الاختصاصيين النفسيين، على الرغم من عجزه عن أن يكون بديلاً كاملاً عن المعالجين.

تقول الدكتورة ريما بدران، المتخصّصة في العلاج النفسي العيادي، لـ”النهار” إن الذكاء الاصطناعي جزء من نهج شامل يُمَكِّن الأطباء النفسيين من تقديم علاجات مخصّصة وفعالة في إدارة المشكلات النفسية، وضيفةً: “تشير الدراسات إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي في البحوث السريرية قد يساهم في تحديد عوامل الخطر والآليات المسببة لاضطرابات القلق، كما يمكن هذه الأنظمة تحليل البيانات السلوكية والفيسيولوجية للمرضى، ما يساعد على تشخيص الأمراض النفسية بدقة، فضلاً عن تطوير برامج علاجية متقدمة، مثل العلاج المعرفي السلوكي والتدريب على التأمل”.

من إليزا إلى الخوارزميات المتطورة
منذ ظهور مفهوم الذكاء الاصطناعي في الخمسينيات مع العالم آلان تورينج، شهدت هذه التكنولوجيا تطوراً هائلاً. ففي عام 1966، تم تطوير أول تطبيق للذكاء الاصطناعي في العلاج النفسي من خلال برنامج “إليزا”، الذي نجح في إيهام بعض المرضى بأنهم يتحدثون إلى معالج حقيقي. 

منذ ذلك الحين، تحسنت الخوارزميات تحسناً كبيراً، وصارت قادرة على معالجة كميات ضخمة من البيانات لتحسين التشخيص وتوجيه العلاجات بدقة متزايدة. وهذا بعض أدوات الذكاء الاصطناعي في العلاج النفسي:

– التنبؤ والكشف: تعتمد تقنيات التعلّم الآلي على تحليل البيانات لاكتشاف الحالات النفسية في مراحلها الأولى، مما يحسّن من دقة التشخيص ويتيح التدخلات العلاجية المبكرة.

– التدخلات الرقمية: تتيح تطبيقات الهواتف الذكية والويب أدوات علاجية متخصصة، ما يعزز تجربة العلاج النفسي ويوفر الدعم الفوري.

– التحليل اللغوي الطبيعي: يُستخدم لتحليل النصوص السريرية والمحتوى الرقمي لاكتشاف أعراض القلق والاكتئاب.

– الروبوتات الذكية: توفر حلولاً مثل العلاج السلوكي المعرفي والدعم النفسي السريع للمرضى.

– الطب النفسي الدقيق: تعتمد هذه الأدوات على تحليل البيانات المعقّدة لتقديم تشخيصات دقيقة وعلاجات مخصصة لكل مريض.

تطبيقات رائجة
في السنوات الأخيرة، ظهرت تطبيقات مبتكرة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لدعم الصحة النفسية بطرق فعّالة. من هذه التطبيقات Wysa، الذي يعتمد على روبوت محادثة ذكي يستخدم تقنيات العلاج السلوكي المعرفي واليقظة الذهنية لتقديم دعم فوري وتدريبات مخصصة. وقد تم تحميل هذا التطبيق أكثر من 5 ملايين مرة على متجر “غوغل بلاي”.

إضافة إلى ذلك، يقدم تطبيق Woebot استشارات نفسية فورية مبنية على العلاج السلوكي المعرفي، حيث يساعد المستخدمين على إدارة الأفكار السلبية، ويستخدمه ملايين الأشخاص حول العالم، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا. 

أما Happify فيركز على تقديم ألعاب تفاعلية وتقنيات علم النفس الإيجابي لتحسين الحالة النفسية وتقليل التوتر، ويستخدمه الملايين حول العالم.

عقبات وتحديات
على الرغم من الفوائد الكبيرة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي، ثمة تحديات يجب مواجهتها بجدية. من أبرزها افتقار الذكاء الاصطناعي إلى القدرة على تقديم التفاعل العاطفي الإنساني، الذي يُعتبر جزءاً أساسياً من العملية العلاجية التقليدية. 

كذلك، يعاني الذكاء الاصطناعي من محدودية في التعامل مع تعقيدات النفس البشرية، حيث لا يكون قادراً على تلبية احتياجات جميع المرضى بفاعلية، نظراً إلى اختلاف الحالات النفسية وتداخلها. بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف تتعلق بالخصوصية والأخلاقيات، حيث يتطلب جمع البيانات الشخصية سياسات صارمة لضمان حماية هذه المعلومات ومنع إساءة استخدامها.

لا تتوقع بدران أن يحلّ الذكاء الاصطناعي محلّ المعالجين النفسيين بشكل الكامل في المستقبل القريب. فيمكن الذكاء الاصطناعي أن يكون أداة تدعم الاختصاصيين النفسيين وتعزز كفاءتهم، لكنه لا يستطيع أن يحلّ محلّ التفاعل الإنساني القائم على التعاطف والاستماع الفعال. بدلاً من ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في تحسين إمكانية الوصول إلى الخدمات العلاجية وتقديم موارد إضافية لدعم المرضى، ما يجعل الرعاية النفسية أكثر شمولاً.مع استمرار التطور في مجال الذكاء الاصطناعي، يُتوقع أن يؤدي دوراً متزايداً في تحسين الرعاية النفسية، من خلال تقليل التكاليف وتقديم دعم مخصص لكل مريض. مع ذلك، تبقى المخاوف من فقدان اللمسة الإنسانية قائمة. من المرجح أن يكون المستقبل قائماً على مزيج بين الذكاء الاصطناعي والخبرة البشرية، لضمان تقديم رعاية نفسية شاملة وفعّالة.

المصدر: النهار

Exit mobile version